فعل الغير فيتسبّب إليه بما يراه سبباً لصدور الفعل من الغير » ( فتكون القضيّة في الفعل الذي يسقط وجوبه عنه بفعل غيره حينية لا مشروطة ولا من قبيل الجامع ).
ثمّ قال : « إذا عرفت هذه المقدّمة تعرف أنّ إطلاق الخطاب يقتضي كون الوجوب مطلقاً في جميع الأحوال وأزمنة الإمكان لا أنّه قضيّة حينية أي أنّه ثابت في حين دون حين وحال دون حال ، ونتيجة ذلك هو عدم سقوط الوجوب عن المكلّف وعدم حصول الغرض بفعل غيره » (١).
أقول : الحقّ أنّ فعل الغير كثيراً ما يكون في الموارد التي يسقط وجود الفعل عنه بفعل غيره من قبيل إفناء الموضوع الذي يوجب إفناء الحكم ، وهذه ليست قضيّة حينية ولا مشروطة ولا تخييريّة ، حيث إنّ القضيّة الحينيّة أو المشروطة تكون من قيود الحكم ولا ربط لها ببقاء الموضوع.
نعم إذا خيّر المكلّف بين أن يأتي بالفعل بنفسه أو الاستنابة فهو من قبيل الواجب التخييري ، فإذا شككنا في جواز التسبيب وانتفاء الموضوع بفعل الغير أو شككنا في تعيين الفعل عليه أو التخيير بين المباشرة والاستنابة ، فالإنصاف أنّ الإطلاق يقتضي المباشرة لأنّه إذا تعلّق خطاب المولى بعبده فما لم يحصل له اليقين بإمكان التسبيب فلا يجوز له التسبيب بالغير لأنّ ظاهر الخطاب أنّ المأمور إنّما هو العبد نفسه ، ومن هنا يعلم أنّ تمسّك بعض بإطلاق المادّة من « أنّ مقتضى إطلاق المادّة قيام المصلحة والغرض بها وإن صدرت من الغير ولو بتسبيب المخاطب » في غير محلّه لأنّ إطلاق المادّة يقيّد بإطلاق الهيئة ، أي ظاهر توجيه الخطاب الذي يقتضي حصره في فعل المأمور يمنع عن تماميّة إطلاق المادّة.
وإن شئت قلت : ما لم يثبت انتفاء موضوع الأمر أو حصول المطلوب كانت دعوته إلى الامتثال باقية ، وما لم يثبت التخيير بين المباشرة والتسبيب كان مقتضى الإطلاق هو المباشرة ، فعلى كلّ حال لا يجوز الاكتفاء بفعل الغير ما لم يقم عليه دليل.
أضف إلى ذلك أنّ القضيّة الحينية في أوامر الموالي إلى العبيد لا معنى لها ، لأنّ الإهمال في مقام الثبوت غير ممكن بل أمره دائر بين الإطلاق والتقييد ، والحينية لا بدّ أن ترجع إلى الواجب المشروط ، فتدبّر جيّداً.
__________________
(١) بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٢٤٧.