هذا كلّه بالنسبة إلى المقام الأوّل وهو مقتضى الأصل اللّفظي.
وأمّا المقام الثاني : وهو مقتضى الأصل العملي فيبدو في أوّل النظر أنّ الأصل هو البراءة ، وهي تقتضي الغيريّة والتخييريّة والكفائيّة فإنّ القدر المتيقّن من وجوب الوضوء مثلاً هو وجوبه بعد الوقت ، وأمّا قبله فينتفي بأصل البراءة ، ولازمه نفي النفسيّة وإثبات الغيريّة ، وكذلك بالنسبة إلى التخييريّة والتعيينية ، لأنّ ما تمّت الحجّة بالنسبة إليه هو وجوب أحد الفعلين ، فإذا أتينا بالظهر مثلاً نشكّ في وجوب صلاة الجمعة وهو ينتفي بأصل البراءة ، وكذلك بالنسبة إلى الكفائيّة والعينية فإنّه بعد تصدّي الغير للعمل يشكّ المكلّف في الوجوب على نفسه ، وهو أيضاً ينتفي بأصل البراءة.
وبالجملة : إنّ القدر المتيقّن من الخطاب هو التخييريّة والكفائيّة والغيريّة وأمّا الزائد عليها فهو منفي بأصل البراءة.
هذا ما يبدو للإنسان في أوّل النظر ، ولكن عند التأمّل والدقّة يمكن التفصيل في التخييريّة والتعيينية والنفسيّة والكفائيّة على المباني المختلفة لأنّه بناءً على المبنى الأوّل في الواجب التخييري والكفائي ( من أنّ الخطاب توجّه إلى جميع الأطراف أو جميع المكلّفين ) فبعد إتيان أحد الأفراد أو أحد المكلّفين يقع الشكّ في سقوط البدل أو سقوط التكليف عن الآخرين ، وحيث إنّ المفروض أنّ التكليف تعلّق بالجميع فمقتضى استصحاب بقاء التكليف أو أصالة الاشتغال هو عدم سقوط التكليف كما لا يخفى ، فالبيان المزبور تامّ بناءً على أحد المبنيين فقط.