وأمّا بالنسبة إلى التخييريّة والتعيينية فكذلك تمسّك المحقّق الخراساني رحمهالله بإطلاق الأمر لنفي التخييريّة وإثبات التعيينية وهو في محلّه لأنّ الواجب التخييري مقيّد بما إذا لم يأت بالبدل وإطلاق الصيغة ينفي هذا القيد.
نعم إنّه إنّما يكون تامّاً بالنسبة إلى مبنى وجوب جميع الأطراف مع سقوط وجوب كلّ من الأطراف بفعل أحدها حيث إنّه يرجع حينئذ إلى اشتراط وجوب كلّ منها بعدم الإتيان بالآخر ، والاشتراط منفيّ بإطلاق الصيغة ، وأمّا بناءً على مبنى كون الواجب عنوان أحد الأفعال أو أحد الفعلين فلا ، لأنّا لا نعلم من أوّل الأمر أنّ صلاة الجمعة واجب بما هي صلاة الجمعة أو بما أنّها أحد الفعلين ، أو أحد الأفعال ، ولا معنى للأخذ بالاطلاق هنا ، نعم ظهور العنوان في الخصوصيّة أعني خصوصيّة عنوان « الجمعة » ينفي عنوان « أحدهما » وهذا غير مسألة الإطلاق والتقييد ، فتدبّر فإنّه دقيق.
وأمّا بالنسبة إلى العينية والكفائيّة فكذلك تمسّك المحقّق الخراساني رحمهالله بإطلاق صيغة الأمر لإثبات العينية في محلّه بناءً على مبنى من يقول في الواجب الكفائي : أنّ التكليف به متوجّه إلى عموم المكلّفين ( على نحو العموم الاستغراقي ) إلاّ أنّ وجوبه على كلّ مشروط بترك الآخر لأنّ مقتضى إطلاق الصيغة عدم الاشتراط فيثبت كونه واجباً عينياً.
وأمّا بناءً على مبنى من يقول : بأنّ التكليف في الواجب الكفائي متوجّه إلى أحد المكلّفين أو جماعة منهم لا بعينها فلا ، حيث إنّ المكلّف حينئذٍ لا يعلم من أوّل الأمر أنّ التكليف توجّه إلى نفسه أو إلى عنوان أحد المكلّفين ، كما إذا دقّ الباب فأمر المولى بفتح الباب ولا يعلم العبد من أوّل الأمر أنّه هل المولى وجّه الخطاب إلى شخصه وقال « افتح أنت الباب » أو وجّه الخطاب إلى أحد العبيد لا بعينه وقال « ليفتح أحدكم الباب » ، فليس في البين لفظ مشخّص حتّى ينعقد له إطلاق فيتمسّك به ، نعم يجري فيه ما مرّ سابقاً في الشكّ بين التخييريّة والتعيينيّة من أنّ ظاهر توجّه الخطاب إلى شخص أو صنف خاصّ أو أخذ عنوان معيّن في لسان الدليل هو اعتباره في الحكم ولازمه هو العينية.
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ لازم الإطلاق في جميع الموارد ليس هو التوسعة في الأفراد بل قد يكون لازمه التضييق والتحديد ، حيث إنّ لازم التعيينية في ما نحن فيه هو تضييق الأفراد وحصرها في فرد واحد ، كما أنّ لازم العينية هو توسعة أفراد المكلّفين وتعميم التكليف بالنسبة إلى جميعهم.