ونحن نبحث هنا بناءً على كلا المبنيين ، وأمّا أيّهما هو الصحيح فسنتكلّم عنه في ذيل مبحث الأوامر عند البحث عن تقسيمات الواجب.
وأمّا الواجب العيني والكفائي فيأتي فيه نظير ما مرّ في الواجب التعييني والتخييري ولكنّه بالنسبة إلى المكلّف لا المتعلّق ، فالواجب الكفائي يحتمل أن يكون الوجوب فيه متعلّقاً بجميع المكلّفين على نحو العموم الاستغراقي مع سقوط الوجوب بإتيان من به الكفاية ، ويحتمل أن يكون الوجوب فيه متعلّقاً بجامع أحد المكلّفين أو جماعة من المكلّفين.
إذا عرفت هذا فنقول : إذا شككنا في النفسيّة والغيريّة كما إذا شككنا في أنّ غسل الجنابة مثلاً واجب نفسي أو واجب غيري ، أو شككنا في التخييري والتعييني كما إذا شككنا في أنّ صلاة الجمعة في عصر الغيبة هل هي واجب تعييني أو واجب تخييري يخيّر المكلّف بينها وبين صلاة الظهر ، أو شككنا في العينية والكفائيّة كما إذا شككنا في أنّ الجهاد واجب كفائي أو عيني ( ولا إشكال في أنّ الشكّ هذا من قبيل الشبهة الحكمية لا الموضوعيّة ) فيقع البحث في مقامين : الأوّل : في مقتضى الأصل اللّفظي ، والثاني : في مقتضى الأصل العملي.
أمّا المقام الأوّل : فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله وجماعة إلى أنّ مقتضى إطلاق الأوامر هو النفسيّة والعينية والتعيينيّة.
وهو واضح بالنسبة إلى النفسيّة والغيريّة ، فإذا قال المولى لعبده « اغتسل للجنابة » من دون أن يقيّده بشيء فلا إشكال في أنّ ظاهره وجوب غسل الجنابة مطلقاً سواء كانت الصّلاة أيضاً واجبة أو لا؟
وبعبارة اخرى : إنّ إطلاقه يقتضي عدم تقيّد وجوب غسل الجنابة بوجوب شيء آخر ، ولازمه النفسيّة.
وقد تمسّك بعض الأعلام أيضاً بإطلاق الأمر بالصّلاة من أنّ مقتضاه عدم تقيّد وجوب الصّلاة بغسل الجنابة ولازمه العقلي كون غسل الجنابة واجباً نفسياً ، وإليك نصّ كلامه : « لو كان لقوله تعالى « أقيموا الصّلاة » إطلاق فمقتضاه عدم تقييد الصّلاة بالطهارة أو نحوها فالتقييد يحتاج إلى دليل ومؤونة زائدة والإطلاق ينفيه ، ولازم ذلك هو أنّ وجوب الطهارة المشكوك نفسي لا غيري » (١).
__________________
(١) المحاضرات : ج ٢ ، ص ١٩٩.