يجعل حكم في الشريعة المقدّسة قبل تأدية نظر المجتهد إلى شيء وإنّما يدور جعله مدار نظره ورأيه فهو يبحث ويجتهد عمّا لا يكون إلاّتابعاً لنظره ) أو التصويب المجمع على بطلانه ( وهو المنسوب إلى المعتزلة ، وحاصله أن يكون قيام الأمارة سبباً لتبدّل الحكم الواقعي إلى مؤدّاها لحصول مصلحة أو مفسدة في متعلّقه ) لا دخل له بمسألة الإجزاء ، لأنّ التصويب على كلّ حال هو إنكار الحكم الواقعي المشترك بين العالم والجاهل ، والقول بالإجزاء لا يستلزم هذا الانكار ، بل لازمه القول بوجود الحكم الواقعي المشترك ، وهذا الحكم باقٍ على مصالحه ومفاسده ، أدّت إليه الأمارة أو لم تؤدّ ، نعم لا يكون هذا الحكم فعليّاً في بعض الموارد ، وهو ما إذا قامت الأمارة أو الاصول على خلافه ، وانكشاف الخلاف فيما بعد لا يوجب فعليته بعد أن لم يكن فعليّاً حين العمل به.
وإن شئت قلت : المباني في مسألة الإجزاء مختلفة ، أمّا على المختار فقد عرفت أنّ العمدة في الإجزاء هو عدم شمول الاجتهاد اللاحق للقضايا السابقة لعدم إطلاق في أدلّة حجّيتها ، وأين هذا من مسألة التصويب.
وأمّا على مبنى صاحب الكفاية ومن تبعه فلأنّهم يرون أن أدلّة بعض الاصول توجب التوسعة في مفاد أدلّة الشرائط والإجزاء ، ومع توسعة الحكم الواقعي يكون العمل مطابقاً له بلا زيادة ولا نقصان ، وأين هذا من التصويب لأنّه ليس هنا إلاّحكم واحد قد عمل به المكلّف لا حكمان ، أحدهما واقعي والآخر ظاهري ، بل الإنصاف أنّه لا دخل لهذا القول بمسألة الإجزاء في الأحكام الظاهريّة فإنّ الحكم هنا واقعي بعد توسعة مفاده.
نعم ، لو قيل بالإجزاء من ناحية القول بالسببية ـ أي سببية قيام الأمارة لتحقّق المصلحة التي تفوق على مصلحة الواقع ـ كان بين المسألتين ربط قويْ ، ولكن القول بالسببية بهذا المعنى مطروح ممنوع من ناحية المحقّقين من أصحابنا.
هذا بالنسبة إلى ربط المسألتين ـ مسألتي الإجزاء والتصويب ـ وأمّا الكلام في أصل مسألة التصويب والأقوال الموجودة فيها وأقسامها وأدلّة القائلين بها ونقد آرائهم فسيأتي الكلام فيها مستوفاً إن شاء الله في محلّه من الاجتهاد والتقليد في آخر مباحث الاصول ، فانتظر.