والمقدّمة وذو المقدّمة هما بمنزلة العلّة والمعلول في الخارج العيني ، ومجرّد المغايرة الذهنيّة غير كافٍ قطعاً.
هذا كلّه بالنسبة إلى إمكان تصوّر المقدّمة الداخليّة وعدمه ، وقد ظهر أنّها أمر معقول يمكن تصوّرها.
ثمّ على فرض إمكان تصوّرها وقع البحث في أنّها هل هي داخلة في محلّ النزاع في المقام أو لا؟
واستدلّ لخروجها عنه بأنّ الأجزاء هي عين الكلّ خارجاً وإن تغايرا اعتباراً وحينئذٍ تجب الأجزاء بعين وجوب الكلّ ، غايته أنّه يجب الكلّ بوجوب نفسي استقلالي ويجب كلّ واحد من الأجزاء بوجوب نفسي ضمني ، أي في ضمن وجوب الكلّ ، ومن المعلوم أنّه بعد اتّصاف كلّ واحد من الأجزاء بالوجوب النفسي الضمني يكون اتّصافه بالوجوب الغيري لغواً بل غير ممكن عقلاً وذلك لامتناع اجتماع المثلين.
وأجاب عنه المحقّق النائيني رحمهالله : إنّ اجتماع الحكمين في شيء واحد لا يؤدّي إلى اجتماع المثلين بل يؤدّي إلى اندكاك أحدهما في الآخر فيصيران حكماً واحداً مؤكّداً كما في الواجبين النفسيين مثل الظهر والعصر (١).
وأورد المحقّق العراقي ، على المحقّق النائيني رحمهالله : إنّ اندكاك أحد الوجوبين في الوجوب الآخر إنّما يصحّ في الواجبات فيما إذا كان ملاك أحدهما في عرض ملاك الآخر ، وليس كذلك مورد النزاع ، فإنّ ملاك الوجوب الغيري في الأجزاء في طول ملاك الوجوب النفسي في الكلّ ، ومع اختلاف الرتبة يستحيل اتّحاد المتماثلين بالنوع (٢).
أقول : إنّ استحالة اجتماع المثلين بحكم العقل إنّما هو في الامور التكوينيّة الحقيقية لا الامور الاعتباريّة كما في ما نحن فيه ، فلا يلزم من اجتماع المثلين في المقام محذور غير اللغويّة.
وبالجملة : إنّ المستحيل عقلاً إنّما هو اجتماع البياضين أو البياض والسواد مثلاً في محلّ واحد لا اجتماع الوجوبين أو الوجوب والحرمة على شيء واحد كالصّلاة ( مثل صلاة الظهر الواجبة بنفسها وكمقدّمة لصلاة العصر فيوجب التأكّد ) وحينئذٍ لا مانع عقلاً من اجتماع وجوب نفسي
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٢١٦.
(٢) بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٣١٧.