عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ ضرورة عدم إمكان تخلّف الوجود عن الإيجاد وأمّا بناءً على مختارنا ( وهي ما مرّ آنفاً ) فيندفع الإشكال المذكور من أصله » (١).
أقول : وقد بني على هذا المبنى في معنى الإنشاء نتائج كثيرة في علم الاصول :
أوّلاً : أنّه خلاف الوجدان حيث إنّ الوجدان حاكم بأنّ البائع مثلاً في قوله « بعت » إنّما يكون في مقام إيجاد شيء في عالم الاعتبار لا الأخبار عن اعتبار موجود في نفسه.
وثانياً : أنّ لازمه تطرّق احتمال الصدق والكذب في الإنشاء كالاخبار ( حيث إنّ الإبراز المذكور في كلامه لو كان مطابقاً لما في ضمير المبرز فهو صادق وإلاّ كان كاذباً ) وهو ممّا لا يلتزم به أحد.
وثالثاً ـ وهو العمدة ـ أنّ الإنشاء إيجاد في عالم اعتبار العقلاء والقوانين العقلائيّة ( لا في عالم الخارج ولا في عالم الذهن ) فتوجد بقول البائع « بعت » ملكيّة قانونيّة في عالم الاعتبار في مقابل الملكيّة الخارجيّة والسلطنة الخارجيّة على الأموال ، وبعبارة اخرى : كانت الملكيّة والسلطة في أوّل الأمر منحصرة عند العقلاء في السلطة الخارجيّة ثمّ أضافوا إليها قسماً آخر من السلطة وهي السلطة القانونيّة واعتبروا لايجادها أسباباً لفظيّة وغيرها ، فما ذكره من أنّ « الإيجاد في عالم الخارج لا معنى له ، وفي عالم النفس لا يحتاج إلى الإنشاء اللّفظي » مدفوع بأنّه إيجاد في وعاء اعتبار العقلاء بالتوسّل بأسبابها.
أضف إلى ذلك كلّه أنّ ما ذكره لا يتصوّر بالنسبة إلى بعض أنواع الإنشاء مثل النداء والإشارة فإنّه لا معنى لوجود شيء في نفس المنادي أو المشير بإسم النداء والإشارة بل الموجود قبل التلفّظ بأداة النداء أو الإشارة إنّما هو إرادة النداء أو الإشارة فحسب ، وأمّا نفس النداء أو الإشارة فإنّما توجد بأداتها مع نيّتها.
وبهذا يظهر أنّ الحقّ في حقيقة الإنشاء إنّما هو مذهب المشهور من أنّه إيجاد لا إخبار.
الوجه الثالث : ما أفاده في تهذيب الاصول وإليك نصّ كلامه : « إنّ الخلط نشأ من إسراء حكم الحقائق إلى الاعتبارات التي لم تشمّ ولن تشمّ رائحة الوجود حتّى يجري عليه أحكام الوجود ، ولعمري أنّ ذلك هو المنشأ الوحيد في الاشتباهات الواقعة في العلوم الاعتباريّة إذ
__________________
(١) راجع المحاضرات : ج ٢ ، ص ٣٢٣.