توضيح ذلك : الإنسان تارة ينظر ويرى أنّ الشمس قد طلعت فيحكم بأنّ الشمس طالعة من غير شرط ، واخرى يكون الناظر في ظلمات الليل ولكن يفرض وجود الشمس ثمّ يحكم بوجود النهار في وعاء فرض وجود الشمس فيقول : « إن طلعت الشمس فالنهار موجودة » ، وكذلك في الإنشائيات.
وبعبارة اخرى : إنّ للإنسان في أحكامه الإخباريّة والإنشائيّة حالتين ، فتارةً يكون مطلوبه في الإنشائيات أو ما يخبر عنه في الإخباريات موجوداً في عالم الخارج بالفعل ، فيبعث إليه أو يخبر عنه من دون قيد وتعليق ، واخرى لا يكون موجوداً في الخارج فيفرض وجوده أوّلاً ثمّ يحكم عليه إخباراً أو إنشاءً.
إن قلت : على أيّ حال : هل وجد شيء في الخارج من ناحية حكمه أو لم يوجد؟
قلنا : قد وجد شيء في الخارج ولكن معلناً على فرض ، نظير ما إذا كانت أُمّ تعيش في فراق ولدها فتتصوّر مجيء ولدها فتحنّ إليه وتسيل دموعها من شوق لقائه ، فإنّ سيلان دمعها وبكاؤها أمر تكويني موجود في الخارج ولكن بعد فرضها وتصوّرها مجيء ولدها ، ونظير ما إذا تصوّر المولى عطشه وإشتاقت نفسه بعد ذلك الفرض والتصوّر إلى الماء ، فأمر عبده بقوله « إذا كنت عطشاناً فاسقني » فإشتياقه إلى الماء ثمّ بعثه إلى إتيان الماء وجد في الخارج ولكنه مترتّب على فرضه عطشه ، فطلبه وبعثه متوقّف على هذا الفرض ، وحيث إنّه فرض ولا وجود له في الخارج فعلاً فيمكن أن يقال بأنّه لا إيجاب ولا وجوب كما ذهب إليه المشهور.
وبعبارة اخرى : الوجوب وجد بالإيجاب ولكن متأخّراً عن فرض ومعلّقاً على تقدير موجود في عالم الذهن ولا عالم الخارج ، لأنّ المفروض أنّ الفرض ليس بإزائه شيء في الخارج حين الفرض.
والحاصل : أنّ هذا الإيجاب موجود من جهة وغير موجود من جهة ، فهو موجود بعد فرض وجود الشرط في افق الذهن وغير موجود من دون هذا الفرض.
بقي هنا شيء :
وهو أنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ مآل القضايا الحقيقية إلى قضايا شرطيّة حيث إنّها صادقة حتّى مع عدم وجود ما أخذ بعنوان الموضوع فيها حين صدورها وجعلها ، فقضيّة « النار