الجمعة أو صيامه. فإمّا أن يكون هو كناية عن وجوب تهيئة المقدّمات ، فلا بأس به كما سيأتي ، ولكن حينئذٍ لا يكون الواجب معلّقاً بل أنّه من مصاديق الواجب المشروط ، لأنّ المفروض عدم وجوب ذي المقدّمة ، وإمّا يكون دالاً على أنّ غسل يوم الجمعة أو صيامه واجب من يوم الاثنين مع أنّ ظرف امتثاله هو يوم الجمعة ، فهو متضمّن لنحو من التضادّ ، لأنّ كلّ بعثٍ يطلب من العبد انبعاثاً وكلّ طلب يتعقّب امتثالاً ، فلو كان الوجوب فعليّاً يوم الاثنين كان معناه وجوب الامتثال في ذلك اليوم مع أنّ المفروض أنّ زمان الامتثال هو يوم الجمعة فلازم وجود الطلب يوم الاثنين هو فعلية الوجوب في ذلك اليوم ، ولازم عدم وجوب امتثاله يوم الاثنين عدم فعليّة الوجوب في ذلك اليوم ، وليس هذا إلاّ التضادّ.
والشاهد على ما ذكرناه ما تسالم عليه الفقهاء على أنّه لو مات المكلّف بعد استطاعته في الطريق فلا يجب قضاء الحجّ عنه مع تصريحهم بأنّ الوجه في ذلك أنّ الاستطاعة هي أعمّ من الاستطاعة الماليّة والبدنيّة والطريقية والزمانيّة ، فإنّ هذا أقوى شاهد على أنّ ارتكازهم الفقهي والمتشرّعي يكون على أنّ جميع هذه الأربعة شرط لوجوب الحجّ لا خصوص الاستطاعة الماليّة ، ولذلك أوّلوا ما ورد في بعض الرّوايات ممّا ظاهره وجوب القضاء بامور اخرى ، وذكروا في توجيهه وجهان : أحدهما : حمله على الاستحباب ، والثاني : حمله على من استقرّ عليه الحجّ من قبل.
إن قلت : إنّ مثل هذا التعبير ( أي يجب عليك من هذا اليوم إكرام زيد يوم الجمعة ) شائع عند العرف.
قلنا : شيوع مثل هذا التعبير عند العرف يحتمل فيه وجوه اخرى :
منها : أن يكون من قبيل الواجب المشروط ، فترجع القضيّة المزبورة إلى قولك : إذا كان يوم الجمعة كان عليك إكرام زيد ) ويرجع مثل قولك « أكرم ضيوفي يوم الجمعة » إلى قولك : « إذا كان يوم الجمعة وقدم ضيوفي فأكرمهم » خصوصاً بملاحظة ما مرّ من أنّ الأحكام القانونيّة ترجع إلى قضايا حقيقيّة ، والقضايا الحقيقية أيضاً ترجع إلى قضايا شرطيّة.
ومنها : أن يكون مجازاً بعلاقة الأوّل والمشارفة كما إذا قلت « جاء زيد » مع أنّه لم يجيء بعدُ ، بل سيأتي عن قريب.
ومنها : أن يكون كناية عن إيجاب تهيئة المقدّمات ، بأن يكون مراد المولى من تصريحه