إن قلت : كيف يستدلّ الشّيخ الأعظم رحمهالله بهذا الوجه مع أنّه قائل برجوع القيد إلى المادّة؟ على أيّ حال : فلا يتصوّر عنده تقييد الهيئة عقلاً حتّى يدور الأمر بينه وبين تقييد المادّة.
قلنا : إنّه كذلك ولكنّه كان يحتمل رجوع القيد إلى الهيئة في ظاهر اللفظ ومقام الإثبات ، وأنّه وإن كان يرجع إلى المادّة لبّاً ولكن لهذا الظهور أثر عملي ، وهو عدم ترشّح الوجوب من ذي المقدّمة إلى مثل هذا القيد ، فقد مرّ منه أنّ القيود الراجعة إلى المادّة على قسمين : قسم يكون راجعاً إلى المادّة في ظاهر اللفظ أيضاً فيترشّح الوجوب من ذي المقدّمة إليه فيجب تحصيله ، وقسم لا يكون راجعاً إليها في ظاهر اللفظ ، فهو وإن كان راجعاً إليها لبّاً ولكن نستكشف من عدم أخذه قيداً للمادّة في ظاهر اللّفظ ومقام الإثبات عدم ترشّح الوجوب إليه ، أي عدم وجوب تحصيله.
فظهر أنّ لرجوع القيد إلى الهيئة وعدم رجوعه إليها ثمرة حتّى على مبنى الشّيخ الأعظم رحمهالله ، فالوجه الثاني المذكور لمقالته في مقام الشكّ أيضاً لا غبار عليه من هذه الناحية.
ولكن يمكن الجواب عن كلا الوجهين.
أمّا الوجه الأوّل : فيجاب عنه أوّلاً : بأنّ « تقسيم الإطلاق إلى الشمولي والبدلي غير صحيح لأنّ الذي يستفاد من الإطلاق ليس إلاّكون ما وقع موضوعاً للحكم تمام العلّة لثبوته ، وأمّا الشمول والبدليّة بمعنى كون الحكم شاملاً لجميع الأفراد أو فرد منها ، أو بمعنى أنّ الطلب هل يسقط بإيجاد فرد منها أو بإيجاد كلّها فغير مربوط بالاطلاق بل لا بدّ في استفادة أيّ واحد من الشمول والبدل من إلتماس دليل آخر غير الإطلاق » (١) ، وهذا الجواب تامّ لا غبار عليه.
وثانياً : بأنّ المناط في تقدّم أحد الإطلاقين على الآخر ليس هو كونه شمولياً فإنّ الشمولي ليس بأقوى من البدلي ، بل هو الاستناد إلى الوضع وعدمه ، فإذا كان العموم الشمولي مستنداً إلى الوضع كما في صيغة كلّ ونحوها ، والإطلاق البدلي مستنداً إلى مقدّمات الحكمة كالاطلاقات المنعقدة لأسامي الأجناس نوعاً قدم العموم الشمولي الوضعي على الإطلاق البدلي المستفاد من مقدّمات الحكمة لكن لا بملاك كونه شوليّاً بل بملاك كونه وضعيّاً وأنّه أظهر من البدلي حينئذٍ ، وإذا انعكس الأمر فكان العموم الشمولي مستنداً إلى مقدّمات الحكمة كما في « أحلّ الله البيع » والإطلاق البدلي مستنداً إلى الوضع كما في كلمة « أيّ » ، قدّم الإطلاق البدلي
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٨٧ ، طبع مهر.