والمفروض زواله بقاءً.
قلنا : الموضوع للقضيّة المتيقّنة إنّما هو عنوان المكلّف ، وأمّا الاستطاعة فهي تعدّ من حالات الموضوع لا مقوّماته ، وعنوان المكلّف باقٍ على الفرض ، وسيأتي في مباحث الاستصحاب تعيين الملاك في كون شيء من حالات الموضوع أو مقوّماته.
هذا كلّه بالنسبة إلى الأصل العملي ، وهو البراءة في موردين والاستصحاب في مورد واحد.
أمّا الأصل اللّفظي : فيدور الأمر فيه في الواقع مدار إطلاق المادّة وإطلاق الهيئة وأنّه هل يقدّم إطلاق الهيئة على إطلاق المادّة حتّى تكون نتيجته رجوع القيد إلى المادّة وكون الشرط شرطاً للواجب ، أو يكون المقدّم إطلاق المادّة فيرجع القيد إلى الهيئة ونتيجته كون الشرط شرطاً للوجوب؟
ذهب الشّيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله إلى تقديم إطلاق الهيئة على إطلاق المادّة ، ويمكن الاستدلال له بوجهين :
الوجه الأوّل : أنّ إطلاق الهيئة شمولي وإطلاق المادّة بدلي ، ومن المعلوم أنّ الإطلاق الشمولي ممّا يقدّم على البدلي ، فإذا شككنا مثلاً في قوله تعالى : ( لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) أنّ قيد الاستطاعة يرجع إلى هيئة « لله على الناس » التي مفادها وجوب الحجّ ، أو يرجع إلى المادّة ( وهي الحجّ ) قدّمنا إطلاق الهيئة ، وصارت النتيجة وجوب الحجّ مطلقاً مع اشتراط صحّته بالاستطاعة ، يعني يجب تحصيل الاستطاعة له.
الوجه الثاني : أنّ تقييد الهيئة ممّا يوجب بطلان محلّ الإطلاق في المادّة بخلاف العكس ، أي لا يبقى مع تقييد الهيئة محلّ لاطلاق المادّة فإذا فرض تقييد مفاد الهيئة وهو الوجوب بالاستطاعة مثلاً فلا يبقى محلّ لاطلاق الحجّ بالنسبة إلى الاستطاعة ، إذ الحجّ لا ينفكّ عن الاستطاعة فيقيّد بتقييد الوجوب قهراً ، بخلاف ما إذا فرض تقييد الحجّ بالاستطاعة ، فيبقى معه مجال لاطلاق الوجوب ، وذلك لجواز تقييده حينئذ بالاستطاعة ، ومن المعلوم أنّه كلّما دار الأمر بين تقييدين أحدهما يبطل محلّ الإطلاق في الآخر دون العكس كان العكس أولى ، لأنّ التقييد وإن لم يكن مجازاً ولكنّه خلاف الأصل ، ورجوع القيد إلى المادّة لازمه ارتكاب خلاف واحد للأصل لأنّه تقييد واحد ، ورجوع القيد إلى الهيئة لازمه ارتكاب خلافين للأصل لأنّه يرجع إلى تقييدين.