المحقّق الخراساني رحمهالله ، ولتوضيح العوارض الذاتيّة نقول : إنّ المعروف في محلّه عند القدماء أنّ العوارض على قسمين : ذاتيّة وغير ذاتيّة ( غريبة ) ، لأنّها إمّا أن تعرض للشيء بلا واسطة كالحرارة بالنسبة إلى النار ، أو تعرضه بواسطة أمر داخلي وهو على قسمين : أمر داخلي مساوٍ للمعروض كعروض الإدراك على الإنسان بواسطة الناطقية ، أو أمر داخلي أعمّ من المعروض كعروض الحركة على الإنسان بواسطة الحيوانيّة ، ( ولا يخفى أنّ الأمر الداخلي لا يمكن أن يكون مبايناً لمعروضه كما لا يمكن أن يكون أخصّ منه ) ، أو تعرّضه بواسطة أمر خارجي ، وهو على أربعة أقسام : أمر خارجي مباين للمعروض كعروض الحرارة على الماء بواسطة النار ، وأمر خارجي مساوٍ للمعروض كعروض الإدراك على الضاحك بواسطة الناطقية ، وأمر خارجي أخصّ من المعروض كعروض الإدراك على الحيوان بواسطة الناطقية ، وأمر خارجي أعمّ من المعروض كعروض المشي على الناطق بواسطة الحيوانيّة ، فصارت الأقسام سبعة.
كما أنّ المعروف أنّ الأوّلين منها من العوارض الذاتيّة وهما العارض بلا واسطة والعارض بأمر داخلي مساوٍ ، كما أنّه لا إشكال في كون الخامس والسابع منها ( وهما العارض بواسطة الخارجي الأعمّ والعارض بأمر خارجي مباين ) من العوارض الغريبة ، وأمّا الثلاثة الباقية فقد وقعت معركة للبحث والآراء ومحلّ الكلام منها هو المنطق أو الفلسفة.
أقول : أوّلاً : ما الدليل على هذا التقسيم؟ وما هو الملاك فيه؟ وما المعيار في كون العرض ذاتياً أو غير ذاتي. فإن كان هناك مصطلح خاصّ فالأمر فيه سهل ولكن التفاوت الحقيقي بين العلوم لا يدور مداره ، وإن كان أمراً وراءه فلابدّ من بيانه.
وثانياً : لا دليل على أنّ مصنّفي العلوم قصدوا من العوارض الذاتيّة المعنى المذكور.
هذا ـ وقد أجاد بعضهم حيث اتّخذ طريقاً آخر وملاكاً جديداً للعرض الذاتي والعرض الغريب ، فقال : الذاتي ما يعرض الشيء بلا واسطة في العروض ، أي بدون الواسطة مطلقاً أو مع الواسطة في الثبوت ( كعروض الحرارة على الماء بواسطة النار ).
والمقصود من كون الواسطة واسطة في الثبوت إنّما هو العروض حقيقة فإنّ الماء يصير بواسطة النار حارّاً حقيقة لا مجازاً وعناية ، فيكون من قبيل إسناد شيء إلى ما هو له الذي لا يصحّ سلبه عنه (١).
__________________
(١) وهذا التفسير للواسطة في الثبوت والعروض هو الذي ينبغي أن يكون مصطلحاً في الباب وإن كان يفارق ما اصطلح عليه القدماء في هذا المجال.