وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ )(١) ظاهر في هذا المعنى أيضاً فإنّ الأجر والفضل إذا اجتمعا افترقا.
هذا ـ ولكن الإنصاف أنّ الاستحقاق هنا ليس من قبيل استحقاق العامل الأجير لُاجرة عمله ، فإنّ المكلّفين هم العبيد والله تعالى هو المولى ، ومن المعلوم أنّه يجب على العبيد اطاعة مواليهم لحقّ المولويّة والطاعة ، فإنّ العبد بجميع شؤونه وأمواله ملك للمولى ، فلا اختيار له في مقابله حتّى يطلب منه شيئاً بإزاء عمله بل أن الوجود كلّه هو من ساحته ويفاض على الموجودات آنفاً فآناً.
هذا ـ مضافاً إلى أنّ التكاليف الشرعيّة الصادرة من جانب المولى الحقيقي مشتملة على مصالح ترجع إلى العباد أنفسهم ، فهي بحسب الحقيقة منّة من جانبه تعالى عليهم فكيف يستحقّون بإطاعاتهم وامتثالهم الأجر والاجرة؟ وكيف يستحقّ المريض أجراً من الطبيب بإزاء عمله بأوامر الطبيب؟ ( ولعلّ هذا هو مراد المفيد رحمهالله وأمثاله حيث ذهبوا إلى أنّه من باب التفضّل لا الاستحقاق ) بل الاستحقاق هنا بمعنى اللياقة لقبول التفضّل من جانب الباري تعالى ، أي أنّ من كان مطيعاً كان إنساناً كاملاً ، والإنسان الكامل يليق بإنعام الله تعالى وتفضّله عليه بمقتضى حكمة الباري فإنّ التسوية بين المطيع والعاصي والمؤمن والفاسق مخالف للحكمة.
وبعبارة اخرى : الاستحقاق للُاجرة والاستعداد لها ( بحيث يعدّ عدم اعطائها ظلماً ) شيء ، واللياقة للتفضّل شيء آخر ، والاستحقاق في ما نحن فيه بالمعنى الثاني لا الأوّل ، فلا يعدّ ترك الثواب حينئذٍ من مصاديق الظلم ، نعم أنّه ينافي حكمه الباري الحكيم لأنّ لازمه التسوية بين المطيع والعاصي.
وبهذا يظهر أنّ الاستحقاق في المقام لا ينافي التفضّل بل أنّه بحسب الحقيقة من مصاديقه.
نعم ، قد يجتمع مع تفضّل أكثر يعبّر عنه في لسان الآيات بالفضل كما يعبرّ عن الأوّل بالأجر ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) ( وقد مرّ آنفاً ) واختلاف التعبير ناظر إلى اختلاف مراتب الفضل فحسب ، فالتعبير بالأجر مخصوص بمرتبة من التفضّل يعطى على أساس الكسب والعمل ولياقة اكتسبها العبد بالطاعة وترك المعصية ،
__________________
(١) سورة فاطر : الآية ٣٠.