لازم لخطاب آخر وإن كان وجوبه تابعاً لوجوب غيره ، والتبعي بخلافه ، وهو ما فهم وجوبه تبعاً لخطاب آخر وإن كان وجوبه مستقلاً كما في المفاهيم ، فالمناط في الأصالة والتبعيّة هو الاستقلال بالخطاب وعدمه ، فإن كان مستفاداً من خطاب مستقلّ فهو الأصلي ، وإن فرض وجوبه غيريّاً تابعاً لوجوب غيره ، كما قال الله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... )(١) الآية ، وإن لم يكن مستفاداً من خطاب مستقلّ فهو التبعي ، وإن فرض وجوبه نفسيّاً غير تابع لوجوب غيره ، كما إذا استفيد ذلك بنحو المفهوم.
فالمداليل الالتزاميّة اللّفظيّة تبعيّة عنده لعدم كونها واردة بخطاب مستقلّ ، وإنّما هي لازم لخطاب آخر ، بينما هي أصليّة عند المحقّق القمّي رحمهالله لكونها مقصوداً بالإفادة للمتكلّم.
وتارةً اخرى : تلحظان بلحاظ مقام الثبوت كما لاحظهما كذلك شيخنا الأعظم رحمهالله بناءً على ما في التقريرات ، فيكون الأصلي حينئذٍ عبارة عمّا تعلّقت به إرادة مستقلّة من جهة الالتفات إليه بما هو عليه من المصلحة ، والتبعي عبارة عمّا لم تتعلّق به إرادة مستقلّة لعدم الالتفات إليه بما يوجب إرادته كذلك ، وإن تعلّقت به إرادة إجماليّة تبعاً لإرادة غيره كما في الواجبات الغيريّة الترشّحيّة.
والمحقّق الخراساني رحمهالله اختار التفسير الأخير وأنّ التقسيم يكون بلحاظ مقام الثبوت لا بلحاظ مقام الإثبات والدلالة نظراً إلى أنّ لازمه عدم اتّصاف الواجب الذي لم يكن مفاد دليل لفظي بشيء من الأصلي والتبعي وهو كما ترى.
وهيهنا تفسير آخر وهو أنّ المراد من الأصلي ما اريد لذاته ، وبالتبعي ما اريد لغيره ، وهو أيضاً تقسيم بلحاظ مقام الثبوت ، ولا إشكال في رجوعهما حينئذٍ إلى الواجب النفسي والغيري وإنّما الاختلاف في التعبير.
أقول : إنّ لازم التفسير الثالث الذي هو تقسيم للواجب بلحاظ مقام الثبوت عدم جريان هذا التقسيم في الواجبات النفسيّة وكون جميعها من الواجبات الأصلية ، لأنّ الإرادة في الواجب النفسي مستقلّة قطعاً فإنّه لا معنى لكون الواجب نفسياً ذا مصلحة نفسية ملزمة ولا يكون منظوراً ومراداً بالاستقلال بل أنّه جارٍ في خصوص الواجبات الغيريّة ، فإنّها تارةً
__________________
(١) سورةالمائدة ، الآية ٦.