معروض الوجوب المقدّمي هو ذات المقدّمة ، والمقدّميّة علّة لعروض الوجوب على الذات ، وعليه فلا يتصوّر في المقدّمة جهتان تقييديتان حتّى يتعلّق الأمر بإحداهما والنهي بالاخرى ، نعم أنّها تندرج في مسألة النهي عن العبادة إن كانت المقدّمة عبادة ، وفي مسألة النهي عن المعاملة إن كانت معاملة.
ولكن يمكن الجواب عنه : بأنّ الحيثيات التعليليّة في الأحكام العقليّة ترجع في الواقع إلى الحيثيات التقييديّة ، فإذا حكم العقل بوجوب المقدّمة شرعاً لأنّها مقدّمة كان الواجب حينئذ هو عنوان المقدّمة لا ذاتها.
وثانياً : بأنّه لا يلزم اجتماع الوجوب والحرمة في المقدّمة المحرّمة حتّى على القول بالوجوب ، وذلك لأنّ المقدّمة إن كانت منحصرة في الفرد المحرم منها كإنحصار المركوب في الدابّة المغصوبة مثلاً فلا محالة تقع المزاحمة حينئذٍ بين وجوب ذي المقدّمة كالحجّ في المثال وبين حرمة مقدّمته كالركوب ، فعلى تقدير كون وجوب الحجّ أهمّ من حرمة مقدّمته لا تتّصف المقدّمة إلاّ بالوجوب ، وعلى تقدير كون حرمة المقدّمة أهمّ من وجوب الحجّ لا تتّصف المقدّمة إلاّ بالحرمة ، فعلى التقديرين لا يجتمع الوجوب والحرمة في المقدّمة حتّى تندرج في مسألة اجتماع الأمر والنهي ( هذا مع قطع النظر عن المراد بالاستطاعة في المثال ).
وإن لم تكن المقدّمة منحصرة في الفرد المحرّم فلا تتّصف المقدّمة المحرّمة بالوجوب حتّى يلزم الاجتماع لأنّ حرمتها تمنع عن سراية الوجوب الغيري إليها.
ويمكن الجواب عنه أيضاً : بأنّه تامّ بناءً على امتناع اجتماع الأمر والنهي وانحصار المقدّمة بالمحرّمة ، وأمّا بناءً على القول بجواز الاجتماع وعدم سراية النهي من متعلّقه إلى ما ينطبق عليه متعلّق الأمر في صورة عدم الانحصار فلا موجب لتخصيص الوجوب حينئذٍ بخصوص المقدّمة المباحة ، وذلك لأنّ لكلّ من دليلي الأمر والنهي إطلاقاً يشمل المقدّمة المحرّمة أيضاً.
وثالثاً : بأنّه لو سلّمنا صغرويّة المقدّمة المحرّمة لمسألة الاجتماع إلاّ أنّه لا يترتّب عليها ثمرة عمليّة ، وذلك لأنّ المقدّمة إمّا توصّلية وإمّا تعبّديّة ، فعلى الأوّل يمكن التوصّل بالمقدّمة إلى ذي المقدّمة من دون فرق بين القول بجواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه ، ومن دون فرق بين القول بوجوب المقدّمة وعدمه ، لأنّ التوصّل بها إلى ذي المقدّمة ذاتي وغير مستند إلى الأمر بها فيحصل مطلقاً ، وعلى الثاني ( أي ما إذا كانت المقدّمة تعبّديّة كما إذا كانت من الطهارات الثلاث ) ففائدة المقدّمة ـ وهي التوصّل بها إلى ذيها ـ لا تترتّب عليها بناءً على امتناع الاجتماع