قوله « لا تشرب الخمر » إنّما هو البعث إلى الصّلاة والزجر عن شرب الخمر ، لا جعل ثبوت الصّلاة في الذمّة أو جعل المحروميّة عن الشرب فإنّه مخالف لاتّفاق أرباب اللّغة والاصوليين من أنّ معنى الأمر طلب الفعل أو البعث إلى الفعل ، وأنّ معنى النهي طلب الترك أو الزجر عن الفعل ، فالتعبير بالدَين أو البقاء في الذمّة في بعض الكلمات ( حيث يعبّر مثلاً أنّ الصّلاة باقية على ذمّتي أو إنّي مديون بها ) بالنسبة إلى الأحكام التكليفية يكون من قبيل العناية والمجاز بلا إشكال.
ثانياً : ينتقض كلامه بالاباحة التي هي أيضاً من الأحكام الخمسة حيث إنّه لا معنى محصّل لجعل الجواز أو الإباحة على ذمّة المكلّف فيلزم التفكيك بينه وبين سائر الأحكام التكليفية مع أنّ جمعيها من سنخ واحد ، فتأمّل.
ثالثاً : إنّ بيانه بالنسبة إلى الاستحباب والكراهة مستبطن لنوع من التناقض في الجعل ، لأنّ الجعل على الذمّة لازمه كون المكلّف مديوناً للشارع ، والدَين لا يجتمع مع الترخيص عند العرف والعقلاء كما في الديون الماليّة ، فإن كان الإنسان مديوناً فلا يكون مرخّصاً وإن كان مرخّصاً فلا يكون مديوناً.
رابعاً : إنّ ما ذكره بالنسبة إلى الحرمة أيضاً لا يمكن الالتزام به لأنّ المحروميّة أمر عدمي لا يقبل الجعل والاعتبار ، إلاّ أن يراد منه جعل الترك والكفّ ، وهو وإن كان موافقاً لما ذهب إليه القدماء من الاصوليين ولكنّه خلاف التحقيق عند المحقّقين المتأخّرين حيث ذهبوا إلى أنّ النهي عبارة عن الزجر عن الفعل لا طلب الترك أو الكفّ.
خامساً : سلّمنا ما ذكره بالنسبة إلى حقيقة الحكم ولكنّه لا ينافي تصوير الجنس والفصل هنا ودعوى بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل ، لأنّ الوجوب والاستحباب بناءً على هذا المبنى مشتركان في كون كليهما مجعولاً على ذمّة المكلّف إلاّ أنّ الشارع نصب القرينة على الترخيص في أحدهما دون الآخر ، فلهما قدر مشترك ، وهو أصل اعتبار الشارع ثبوت الفعل على الذمّة ( فيكون بمنزلة الجنس لهما ) ويكون لكلّ واحد منهما أمر يختصّ به ، وهو عدم الترخيص في الترك في الوجوب ( فيكون بمنزلة الفصل للوجوب ) والترخيص في الترك في الاستحباب ( فيكون بمنزلة الفصل للاستحباب ) وحينئذٍ يمكن أن يقال : إنّ عدم الترخيص يرفع بدليل الناسخ ، وأمّا أصل الاعتبار فيبقى على حاله.