( لأنّ اعتبار قيد المندوحة وعدمه أمر مربوط بمقام الامتثال والإثبات ، وهذان الأمران.
وبتعبير آخر : وقوع التعارض بين دليلي الوجوب والحرمة في مورد الاجتماع وعدمه أمر مربوط بمقام الجعل والثبوت ) ، ثمّ قال في ذيل كلامه : نعم ـ بناءً على الجواز وعدم السراية ـ إذا لم تكن مندوحة فلا محالة تقع المزاحمة بينهما لعدم تمكّن المكلّف وقتئذٍ من امتثال كليهما معاً فيكون تكليف المكلّف بامتثال كلا التكليفين معاً من التكليف بالمحال ، فإذن لا بدّ من الرجوع إلى مرجّحات باب المزاحمة ، فيقدّم أحدهما على الآخر لمرجّح أن كان ، وإلاّ فهو مخيّر بين أن يصرف قدرته في امتثال هذا وإن يصرف قدرته في امتثال ذاك ، فعدم المندوحة في البين يوجب وقوع التزاحم بين التكليفين على القول بالجواز في المسألة لا أنّه يوجب عدم صحّة النزاع فيها كما هو ظاهر » (١).
أقول : إنّ روح كلامه يرجع إلى مقالة المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام من أنّ محلّ البحث هو التكليف المحال لا التكليف بالمحال ، والنكتة المضافة في كلامه إنّما هو ما ذكره في الذيل من « أنّ عدم المندوحة يوجب دخول المسألة في باب التزاحم بناءً على الجواز لا أنّه يوجب عدم صحّة النزاع فيها » ولكن الإنصاف أنّ هذا بنفسه اعتراف من جانبه باعتبار قيد المندوحة في محلّ النزاع لأنّه إذا لم تكن في البين مندوحة لا يمكن القول بجواز الاجتماع لأنّ من الواضحات وقوع التزاحم بين الحكمين ولزوم تقديم أحدهما على الآخر في فرض وجود مرجّح ، والتخيير بينهما في فرض عدم وجود المرجّح ، وهذا ما اعترف به المحقّق الخراساني رحمهالله أيضاً في ذيل كلامه بقوله : « نعم لا بدّ من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلاً لمن يرى التكليف بالمحال محذوراً » حيث إنّ المعنون في عنوان المسألة إنّما هو جواز اجتماع الأمر والنهي الفعليين ، ولا إشكال في عدم كون أحد الحكمين فعليّاً في صورة فقدان المندوحة ووقوع التزاحم ، لأنّه تكليف بالمحال ، فالحقّ اعتبار قيد المندوحة في محلّ النزاع.
وأمّا القول بالتفصيل بين ما إذا كان الاجتماع بسوء الاختيار وما إذا لم يكن بسوء الاختيار فسيأتي أنّه أيضاً خاطىء ، لأنّ المولى لا يكلّف بما لا يطاق سواء كان عدم الطاقة والقدرة بسوء اختيار المكلّف أو لم يكن.
__________________
(١) المحاضرات : ج ٤ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠.