« أنّه إن اريد بقيد المندوحة حصول المندوحة لكلّ واحد من المكلّفين فهو غير لازم لأنّ البحث في جواز تعلّق الحكمين الفعليين على عنوانين ولا يتوقّف ذلك على المندوحة لكلّ واحد منهم لأنّ الأحكام المتعلّقة على العناوين لا تنحلّ إلى إنشاءات كثيرة حتّى يكون الشرط تمكّن كلّ فرد بالخصوص. وإن اريد بقيد المندوحة كون العنوانين ممّا ينفكّان بحسب المصداق في كثير من الأوقات وإن لم يكن كذلك بحسب حال بعض المكلّفين فاعتبار المندوحة وإن كان لازماً في هذه المسألة لكن لا يحتاج إلى تقييد البحث به فإنّ تعلّق الحكم الفعلي بعنوان ملازم لمنهي عنه فعلاً ممّا لا يمكن ، للغويّة الجعل على العنوانين بل لا بدّ للجاعل من ترجيح أحد الحكمين على الآخر أو الحكم بالتخيير مع عدم الرجحان فتقييد العنوان بالمندوحة غير لازم على جميع التقادير » (١).
أقول : قد مرّ في الأبحاث السابقة الإشكال في ما اختاره من المبنى الذي بنى عليه كثيراً من المباحث ، وهو أنّ المخاطب في الخطابات القانونيّة إنّما هو الأفراد الموجودة في الخارج لا العنوان ، حيث إنّ العناوين إشارات إلى الخارج ، والواضع وضعها والمقنّن المشرّع يستخدمها للإشارة إلى الخارج والعبور إليه ، وعليه فلا إشكال في اعتبار قيد المندوحة كما يستفاد من مطاوي كلماته ، نعم لو قبلنا مبناه المعروف في الخطابات القانونيّة فلا إشكال في ما تبنّاه عليه ، وهو عدم اعتبار قيد المندوحة ، ولكنّه مبنى غير صحيح.
ومنها : ما أفاده في المحاضرات من أنّ توهّم اعتبار قيد المندوحة في محلّ النزاع خاطىء جدّاً وغير مطابق للواقع قطعاً ، والوجه في ذلك ما تقدّم من أنّ النزاع في المسألة إنّما هو في سراية النهي من متعلّقه إلى ما تعلّق به الأمر وبالعكس وعدم سرايته ، وقد سبق أنّ القول بالامتناع يرتكز على أحد أمرين :
الأمر الأوّل : كون المجمع في مورد التصادق والاجتماع واحداً ( أي يكون التركيب بين العنوانين اتّحاديّاً ).
الأمر الثاني : الالتزام بسراية الحكم من أحد المتلازمين إلى الملازم الآخر ( وإن كان التركيب بين العنوانين انضماميّاً ) ومن الواضح جدّاً أنّه لا دخل لوجود المندوحة في ذلك أبداً
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٨١ ، طبع جماعة المدرّسين.