ولكن قد أنكر عليه جماعة من أعاظم المتأخّرين فلم يعتبروا هذا الشرط ونحن ننقل هنا بعض كلماتهم في المقام :
قال في المحاضرات ما حاصله : إنّ النزاع في مسألتنا هذه لا يرتكز على وجهة نظر مذهب الاماميّة القائلين بتبعيّة الأحكام للملاكات الواقعيّة والجهات النفس الأمريّة ، بل يعمّ وجهة نظر جميع المذاهب حتّى مذهب الأشعري المنكر للتبعيّة ، هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى أنّ النزاع في المسألة في سراية النهي من متعلّقه إلى ما ينطبق عليه المأمور به وعدم سرايته ، والقول بالسراية يبتني على أحد الأمرين : الأوّل أن يكون المجمع واحداً وجوداً وماهيّة ، الثاني أن لا يختلف اللازم عن الملزوم في الحكم ، بمعنى أنّ الحكم الثابت له لا يسري إلى لازمه ، وبانتفاء أحدهما ينتفي هذا القول ، ولا إشكال أنّ هذه المسألة أجنبية عن مسألة تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد (١).
وقال في تهذيب الاصول بما يكون في الواقع كتكملة لبيان المحاضرات حيث قال : « التحقيق عدم ابتناء النزاع في المقام على إحراز المناط في متعلّقي الإيجاب والتحريم ، أمّا على القول بأنّ النزاع صغروي والبحث راجع إلى أنّ تعدّد العنوان يوجب تعدّد المعنون أو لا فواضح ، لأنّ اشتمالهما على المناط وعدمه لا دخل له في أنّ تعدّد العنوان هل يوجب تعدّد المعنون أو لا ، وأمّا على ما حرّرناه من أنّ النزاع كبروي وأنّ البحث في أنّ الأمر والنهي هل يجوز اجتماعهما في عنوانين متصادقين على واحد أو لا ، فالأمر أوضح لأنّ إحراز المناط ليس دخيلاً في الإمكان وعدمه بل لا بدّ من أخذ القيود التي لها دخل تامّ في إثبات الإمكان والامتناع » (٢).
أقول : الحقّ هو اعتبار ما اعتبره المحقّق الخراساني رحمهالله من وجود الملاكين في المجمع ، حيث إنّ مراده من وجود الملاك إنّما هو كون كلّ واحد من الدليلين تامّ الاقتضاء بالنسبة إلى المجمع ، أي لم يكن لفعليته في المجمع أي نقصان ، وبعبارة اخرى : يكون كلّ واحد من الحكمين ـ مع قطع النظر عن اجتماعهما فعلاً ـ واجداً لجميع شرائط الفعليّة ، ولا إشكال في أنّ النزاع في باب الاجتماع إنّما هو في جواز اجتماع الحكمين الفعليين لا غير.
__________________
(١) راجع المحاضرات : ج ٤ ، ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤.
(٢) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٣٨٢ ـ ٣٨٣ ، طبع جماعة المدرّسين.