أحدهما : أنّ الأحكام التكليفية متضادّة لكن لا بذواتها لأنّها اعتباريّة من هذه الجهة ، والاعتبار كما مرّ خفيف المؤونة ، بل من حيث المبادىء ، أي الكراهة والمحبّة في نفس المولى ، ومن حيث الغايات ومقام الامتثال ، أي مقام الإتيان والعصيان.
ثانيهما : أنّ متعلّق الأحكام هو الخارج لكن من طريق الصور والمفاهيم الذهنيّة ، فإنّ وزانها وزان العلم الحصولي ، فكما أنّ متعلّقه والمعلوم فيه إنّما هو الخارج لكن بواسطة الصور الذهنيّة لعدم إمكان حلول الخارج في الذهن ، كذلك الأحكام في الإخباريات والإنشائيات ، فإنّها من قبيل العلم الحصولي تتعلّق بالخارج ويكون موضوعها هو الخارج لكن بواسطة العناوين المتصوّرة في الذهن ومن طريق استخدام تلك العناوين ، فالحكم بأنّ الشمس موجودة مثلاً تعلّق بالشمس المتصوّر في الذهن ابتداءً ولكن لينتقل منه إلى الخارج.
إن قلت : إنّ هذا ينتقض بالجاهل المركّب فيما إذا رأى سراباً مثلاً بتوهّم أنّه الماء ، لأنّه لا إشكال في أنّ متعلّق حبّه وطلبه في قوله « ايتني الماء » حينئذٍ إنّما هو الصورة الذهنيّة من الماء لا الماء الخارجي لأنّه معدوم في الخارج على الفرض.
قلنا : إنّ مطلوب الجاهل المركّب ومحبوبه أيضاً هو الماء الخارجي وإنّما الخطأ في التطبيق ، نظير من حكم بإخراج إنسان من داره بتوهّم أنّه عدوّه وليس عدوّاً في الواقع ، فلا إشكال في أنّ بغضه وكراهته متعلّق بالعدوّ الخارجي أو السارق الخارجي ، ولكنّه خطأ في التطبيق ، فإنّ في ما نحن فيه أيضاً قد تعلّق الحبّ والطلب حقيقة وفي الواقع بالماء الذي يكون منشأ للأثر ويوجب رفع العطش ، وهذا أمر بديهي ، فهو طالب للماء الخارجي ولكنه طلب الصورة الذهنيّة بتوهّم أنّه ماء خارجي وإلاّ لا شكّ في أنّه لا يطلب السراب قطعاً.
إن قلت : المعروف في باب العلم الحصولي أنّ المعلوم بالذات إنّما هو الصور الذهنيّة ، وأمّا الخارج فهو معلوم بالعرض وبتبع الصور الذهنيّة ، فليكن المحبوب بالذات أيضاً في ما نحن فيه هو الصورة الذهنيّة.
قلنا : إنّ المراد من المعلوم بالذات هو ما حضر في الذهن ، ولا شكّ أنّ الحاضر في الذهن هو الصور الذهنيّة ، وأمّا الخارج فلا يحضر في الذهن بذاته ، ولكن الآثار المختلفة إنّما تترتّب على الخارج لا على الصور الذهنيّة ، فالعقرب أو السبع الذي يخاف منه الإنسان إنّما هو الخارجي منه فإنّه منشأ للضرر والخطر لا الصورة الذهنيّة منه ، وفي موارد الجهل المركّب يكون الخوف