عموم النزاع بالنسبة إلى التنزيهي والمقدّمي ، أمّا بالنسبة إلى التنزيهي فلعموم الملاك ( وهو عدم كون المنهي عنه مقرّباً إلى الله تعالى ) ، وأمّا بالنسبة إلى الغيري فلأنّ الفرق بينه وبين النفسي إنّما هو في ترتّب العقوبة على الأوّل دون الثاني ولا دخل لاستحقاق العقوبة على المخالفة وعدمه في كون النهي سبباً للفساد وعدمه ، حيث إنّ الملاك على القول به هو نفس الحرمة وهي موجودة بعينها في النهي الغيري سواءً كان أصليّاً كالنهي عن الصّلاة في أيّام الحيض ، أو تبعيّاً كالنهي عن الصّلاة لأجل الإزالة ، ويؤيّد ذلك ( عموم ملاك البحث للنهي الغيري ) جعل ثمرة النزاع في مبحث الضدّ ـ كما هو المعروف ـ فساد الضدّ إذا كان عبادة كالصّلاة ونحوها مع أنّ النهي هنا غيري مقدّمي ( انتهى بتوضيح ).
أقول : إنّ ما أفاده بالنسبة إلى النهي التنزيهي فهو في محلّه لنفس ما ذكره من عموم الملاك ، وأمّا بالنسبة إلى النهي الغيري فهو غير تامّ لأنّ ما لا عقاب له لا يكون مبعّداً وجداناً ، وأمّا استشهاده بمسألة الضدّ ففيه ما مرّ هناك من أنّ النهي عن الضدّ لا يوجب فساد العبادة لأجل كونه غيريّاً فهذا المثال أجنبي عن المطلوب وإن كان مشهوراً.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه ذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى اختصاص النزاع بالنهي التحريمي النفسي وأنّ النهي التنزيهي أو الغيري لا يدلاّن على فساد العبادة قطعاً ( أمّا الأوّل ) فلأنّ النهي التنزيهي عن فرد لا ينافي الرخصة الضمنية المستفادة من إطلاق الأمر فلا يكون بينهما معارضة ليقيّد به إطلاقه ، نعم إذا كان شخص المأمور به منهيّاً عنه كما إذا كان إطلاق الأمر شموليّاً ، فلا محالة يقع التعارض بين دليليهما ، فإذا قدّم دليل النهي فلا موجب لتوهّم الصحّة مع وجود النهيْ ، لكن هذا الفرض خارج عن محلّ الكلام ، لأنّ محلّ الكلام إنّما هو فيما إذا كانت دلالة النهي على الفساد هو الموجب لوقوع المعارضة بين دليلي الأمر والنهي ولتقييد متعلّق الأمر بغير ما تعلّق به النهي ، ومن الواضح أنّ التعارض في مفروض الكلام لا يتوقّف على دلالة النهي على الفساد أصلاً ، ( وأمّا الثاني ) أعني به النهي الغيري فهو على قسمين :
الأوّل : ما كان نهياً شرعياً أصليّاً مسوقاً لبيان اعتبار قيد عدمي في المأمور به كالنهي عن الصّلاة في غير المأكول فلا إشكال في دلالته على الفساد بداهة أنّ المأمور به إذا اخذ فيه قيد عدمي فلا محالة يقع فاسداً بعدم اقترانه به وهذا خارج عن محلّ الكلام ، إذ حال هذه النواهي حال الأوامر المتعلّقة بالاجزاء والشرائط المسوقة لبيان الجزئيّة والشرطيّة.