الهيئة لكونها من المعاني الحرفيّة ، وهي مغفول عنها لا ينظر إليها ، ولكن ظهر ممّا ذكرنا في المقام أنّ عدم استقلال معاني الحروف لا يساوق عدم النظر إليها وصيرورتها مغفولاً عنها ، بل المراد قيامها بالطرفين في الذهن والخارج ، فلا إشكال في جواز تقييدها بالقيود الواردة في الجملة.
٣ ـ إنّه لا يمكن المساعدة على ما أفاده شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله في الواجب المشروط ( من رجوع القيد إلى المادّة بدليل أنّ المعنى الحرفي جزئي حقيقي لا يقبل التقييد ، وأنّ الهيئة الدالّة على الوجوب في الواجب المشروط من المعاني الحرفيّة ) لما ظهر من أنّ الموضوع له في الحروف كثيراً ما يكون جزئيّاً إضافياً ذا أفراد كثيرة ، يقبل التقييد ، بل يكون غيره فيها نادراً جدّاً ، نعم في الحروف الإيجاديّة الإنشائيّة الموضوع له جزئي حقيقي لأنّ الإنشاء من قبيل الإيجاد ، والإيجاد والوجود لا يكونان إلاّجزئيّاً حقيقيّاً.
٤ ـ إنّ الفرق بين المعاني الحرفيّة والأسماء المرادفة لها نحو كلمة « الظرفيّة » بالنسبة إلى معنى « في » هو أنّ الظرفيّة الحرفيّة قائمة بخصوص الظرف والمظروف حتّى في الذهن بخلاف الظرفيّة الاسميّة فإنّها مجرّدة عن الطرفين في الذهن ، وإن كانت قائمة بهما في الخارج ، فالفرق بينهما فرق جوهري ليس منحصراً في مجرّد اشتراط الواضع كما ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله.
٥ ـ إنّ معنى ما روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه وهو : « الكلمة اسم وفعل وحرف ، والاسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى والحرف ما أوجد معنى في غيره ليس ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله فانه لحفظ ظاهر الحديث وقوله في ذيله : « والحرف ما أوجد معنىً في غيره » ذهب إلى أنّ معنى الحرف إيجادي ، وكأنّ هذا هو منشأ ما ذهب إليه بعض آخر من الأكابر من أنّ معنى الحرف عبارة عن تضييق المعاني الاسميّة.
بل إنّ لهذا الحديث مضافاً إلى كونه ظنّياً من ناحية السند ( لكونه خبراً واحداً فلا ينتقض به الأمر القطعي ) تفسيراً آخر.
فنقول : أمّا الفقرة الاولى منها ( الاسم ) فمعناها واضح لا إشكال فيه.
وأمّا الفقرة الثانيّة ( الفعل ) فيحتمل فيها معنيان :
الأوّل : أنّ مادّة الفعل مثل « الضرب » مفهوم اسمي لا دلالة له على الزمان لكن يدلّ عليه هيئة الفعل ، فهيئة « ضرب » مثلاً تدلّ على زمان وقوع الضرب ويكون بهذا المعنى منبأً عن حركة المسمّى ، فالمراد من الحركة حينئذٍ هو الزمان.