المماثلة وإن لم تكن مستقلة في الوجود الخارجي كجميع العوارض لا سيّما ما كانت ذات إضافة ، ولكنّها معنى مستقل في الذهن ، ولذلك يمكن جعل كلمة « مثل » محلّه ، بخلاف معنى « من » و « في » فإنّهما غير مستقلّين في افق الذهن كما هما كذلك في الخارج ، ولا يمكن جعل « الابتداء » و « الظرفيّة » محلّهما.
وبقي هنا امور :
١ ـ إنّ الوضع في الحروف عامّ والموضوع له خاصّ ، لأنّ « من » مثلاً لم توضع للابتداء الكلّي المتصوّر في الذهن حين الوضع ، بل وضعت لمصاديقه الجزئيّة في الخارج ، لأنّها تحكي عن الابتداء الذي تكون حالة لغيره في مثل « سرت من البصرة إلى الكوفة » فيكون الموضوع له خاصّاً لجزئيّة المصداق ، والوضع عامّاً لعدم إمكان إحصاء هذه المصاديق لكثرتها ، فنحتاج في تصوّرها إلى تصوّر جامع وعنوان مشير إليها ، ولولا ذلك لم يكن فرق بينه وبين لفظ الابتداء.
هذا كلّه بالنسبة إلى القسم الأوّل من الحروف.
أمّا القسم الثاني وهي التي تدلّ على المعاني الإيجاديّة فيكون الموضوع له فيها جزئيّاً حقيقيّاً خارجياً لأنّها وضعت للإنشاء الذي هو إيجاد ، ومن المعلوم أنّ ما يوجد بكلمة « يا » مثلاً في جملة « يازيد » هو النداء الجزئي الخارجي لا تعدّد ولا تكثّر فيه.
أمّا القسم الثالث الذي يكون من قبيل العلامة فلا يتصوّر فيه الوضع والموضوع له المعهودان في باب الألفاظ اللّذين هما محلّ الكلام ( لعدم دلالته على معنى ).
وأمّا القسم الرابع فلا نأبى فيه من كون الوضع فيه عاماً والموضوع له أيضاً عامّاً كأسماء الأجناس ، ولكنّه قليل جدّاً.
٢ ـ إنّ معاني الحروف وإن كانت غير مستقلّة لا تلاحظ في أنفسها بل تلاحظ في غيرها لكن ليس هذا بمعنى الغفلة عنها وعدم النظر إليها كما قيل ، بل ربّما تكون هي المقصود بالبيان فقط ، كما يقال : « هذا عليك لا لك » فيكون قصد المتكلّم فيها معنى « على » و « اللام » ، ولا يكون غيرهما مقصوداً بالذات ، وسيأتي في باب الواجب المشروط ثمرة هذه النكتة بالنسبة إلى القيود الواردة في الجملة وأنّها هل ترجع إلى المادّة أو الهيئة؟ فقال بعض استحالة رجوعها إلى