في معانٍ خاصّة غير معانيها اللغويّة ، بل يمكن أن يقال بتحقّق الوضع في المعاني الشرعيّة من هذا الطريق بكثرة الاستعمال حتّى في خصوص عصر النبي صلىاللهعليهوآله أيضاً ، بل في سنة أو أقلّ ، وكذا بالنسبة إلى عصر الأئمّة عليهمالسلام في ألفاظ اخر ، وإصرار المحقّق الخراساني رحمهالله على المنع من حصوله في خصوص لسان الشارع ممّا لا وجه له.
وهنا مذهب آخر وهو أنّه يمكن أن يقال : إنّ بعض الألفاظ المعهودة المعروفة بعنوان الحقائق الشرعيّة ليست في الواقع بحقائق شرعيّة بل إنّها حقائق لغويّة لاستعمالها في الشرائع السابقة كما تشهد عليه جملة من الآيات :
منها قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )(١).
وقوله تعالى : ( وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا )(٢).
وقوله تعالى : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ )(٣).
فإنّ هذه الآيات تشهد على أنّ الصّيام والصّلاة والحجّ كانت موجودة بمعانيها الشرعيّة في الشرائع السابقة أيضاً ، كما اعترف به جمع من المحقّقين.
نعم قد يرد على هذا بأنّ غاية ما يستفاد من هذه الآيات أنّ معاني هذه الألفاظ كانت موجودة قبل الإسلام ولا تدلّ على كون هذه الألفاظ أسماء لها فتدلّ آية الحجّ مثلاً على أنّ أعمال الحجّ وجملة من مناسكه كانت معمولة من عصر إبراهيم خليل الله عليهالسلام ، ولا تدلّ على أنّه كان يعبّر عنها بلفظ الحجّ في اللّغة العربيّة.
ولكن يمكن دفعه بأنّ العرب في عصر الجاهلية كانوا يتكلّمون فيما بينهم عن عبادات اليهود والنصارى قطعاً خصوصاً إذا لاحظنا وجود طائفة منهم في المدينة وإنّهم يتكلّمون بما يتكلّم به غيرهم من قبائل العرب ، ومن البعيد جدّاً كون الألفاظ التي كان العرب يتكلّمون بها عن عبادات اليهود والنصارى وصومهم وصلاتهم غير الألفاظ المستعملة في لسان القرآن ، لأنّ لازمه وضع ألفاظ جديدة عربيّة لتلك المعاني مع عدم الحاجة إليها بل هو أشبه شيء بتحصيل الحاصل.
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٨٣.
(٢) سورة مريم : الآية ٣١.
(٣) سورة الحجّ : الآية ٢٧.