في المعاني المتعدّدة ، فظهر من جميع ذلك أنّ هذا النوع من الوضع ممّا لا غبار عليه.
بقي هنا شيء :
وهو أنّ هذا الاستعمال هل يكون حقيقة أو مجازاً؟
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى أنّه نوع ثالث من الاستعمال ( لا حقيقة ولا مجاز ) والميزان في صحّته استحسان الطبع ، وقال : « دلالة اللفظ على المعنى في هذا الاستعمال بنفسه لا بالقرينة وإن كان لا بدّ حينئذٍ من نصب قرينة إلاّ أنّه للدلالة على ذلك ( على كونه في مقام الوضع ) لا على إرادة المعنى كما في المجاز » (١).
أقول : الظاهر أنّه لا بدّ في هذا الاستعمال من نصب قرينتين : قرينة على كون المستعمل في مقام الوضع ، وهذا ما اعترف به المحقّق الخراساني رحمهالله أيضاً ، وقرينة على استعمال اللفظ في المعنى الجديد كالإشارة إلى المولود مثلاً عند قوله : « ائتني بالحسن » لأنّه مع عدم نصب هذه القرينة لا يفهم المعنى من اللفظ كما هو واضح ، وحينئذٍ إمّا أن لم يكن اللفظ قبل هذا الوضع موضوعاً لمعنى آخر ، فيكون الحقّ عندئذٍ مع المحقّق المذكور من أنّه ليس حقيقة ولا مجازاً ، أو كان قبل هذا موضوعاً لمعنى آخر فيكون استعماله في المعنى الجديد استعمالاً في غير الموضوع له فيكون مجازاً ، فكلام المحقّق بإطلاقه غير مرضيّ.
ثمّ يبقى الكلام في أنّ الألفاظ الدائرة في لسان الشرع للُامور المستحدثة هل وضعت لها بالوضع التعييني بأحد نوعيه ، أو التعيّني؟
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى الأوّل وقال : « دعوى الوضع التعييني في الألفاظ المتداولة في لسان الشارع هكذا قريبة جدّاً ومدّعى القطع به غير مجازف قطعاً » (٢).
ولكنّه دعوى بلا بيّنة وقول بلا برهان ، والصحيح حصوله من طريق خصوص الوضع التعيّني فإنّ هذا هو ما نجده بوجداننا العرفي ، فاختبر نفسك في الأوضاع الجديدة في حياتنا الاعتياديّة فإنّك تشاهد عندك ألفاظاً وضعت لمعان جديدة بكثرة الاستعمال كلفظ « الشيطان الأكبر » و « المستضعف » و « المستكبر » و « الطاغوت » إلى غير ذلك من الألفاظ المتداولة اليوم
__________________
(١) كفاية الاصول : ص ٢١ ، الطبع الجديد.
(٢) نفس المصدر.