في الألفاظ الذي هو الغاية في الوضع ، ولا إشكال في أنّ الالتزام مع الإبراز يحتاج إلى اللحاظ الاستقلالي مضافاً إلى اللحاظ الآلي ، لأنّ إبراز الالتزام باللفظ يحتاج إلى النظر إليه مستقلاً ، فيبقى الإشكال على حاله.
وأجاب عنه : في تهذيب الاصول بأنّه « يمكن أن يكون من باب جعل ملزوم بجعل لازمه ويكون الاستعمال كناية عن الوضع من غير توجّه إلى الجعل حين الاستعمال وإن التفت إليه سابقاً أو سيلتفت إليه بنظرة ثانيّة ، وهذا المقدار كافٍ في الوضع » (١).
أقول : كلامه هنا منافٍ لما صرّح به في باب حقيقة الوضع ، لأنّه قال هناك : إنّ الوضع نوع من الإنشاء ، وإليك نصّ كلامه : « الوضع هو جعل اللفظ للمعنى وتعيينه للدلالة عليه » (٢).
ووجه التنافي إنّ الإنشاء والجعل يحتاج إلى تصوّر المجعول والمجعول له والنظر الاستقلالي إليهما ، فكيف يمكن أن يكون الاستعمال الموجب للوضع كناية بحيث يصير اللفظ الموضوع مغفولاً عنه؟
فظهر ممّا ذكرناه عدم تماميّة شيء من هذه الأجوبة الثلاثة ، والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّ الإشكال في المقام متوقّف على كون اللفظ آلة ومرآة للمعنى وفانياً فيه ، وهو ممنوع جدّاً لأنّ كلّ مستعمل للكلمات والألفاظ ينظر أوّلاً إلى كلّ واحد من اللفظ والمعنى نظراً استقلالياً ، ثمّ يستعمل اللفظ في المعنى كما هو واضح بالنسبة إلى من هو حديث العهد بلغة ، فإنّه إذا أراد مثلاً استعمال لفظ « الخبز » في معناه باللغة العربيّة يتفحّص ابتداءً في ذاكرته الحافظة ، ويختار من بين الألفاظ المخزونة فيها لفظ « الخبز » فينظر إليه بالطبع نظراً استقلاليّاً كما ينظر إلى معناه أيضاً كذلك ثمّ يستعمل اللفظ في معناه بعد ذلك ويقول : « هل عندك خبز؟ ». نعم يحصل له الغفلة عن اللفظ بعد استعمالات كثيرة وحصول السلطة على الاستعمال ولكن هذه الغفلة المترتّبة على تلك السلطة ليس معناها دخلها واعتبارها في حقيقة الاستعمال وفناء اللفظ في المعنى حين الاستعمال.
أضف إلى ذلك أنّ الاستعمال ليس من الامور الآنيّة بالدقّة العقليّة بل يمكن إحضار معانٍ متعدّدة في الذهنّ أوّلاً ثمّ ذكر اللفظ لإفادتها كما ذكرناه في مبحث جواز استعمال اللفظ المشترك
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٤٦ ، طبع مهر.
(٢) المصدر السابق : ص ٨ ، طبع مهر.