الخراساني رحمهالله أبدع هنا قسماً ثالثاً يمكن تسميته بالوضع التعييني العملي فإنّه قال : ربّما يكون الإنسان بصدد الوضع من دون أن يصرّح به فلا يقول : « وضعت هذا لهذا » بل يستعمل اللفظ عملاً في معناه فيقول مثلاً : « ايتني بالحسن » وهو يريد به وضع لفظ الحسن لهذا المولود ، من دون أن ينصب قرينة على المجاز بل إنّما ينصب القرينة على كونه بصدد الوضع ( ولعلّه من هذا القبيل قول الرسول صلىاللهعليهوآله« صلّوا كما رأيتموني اصلّي » ) ، ثمّ قال : لا يبعد كون هذا النوع من الوضع هو منشأ التبادر في الحقائق الشرعيّة ، لكن أورد عليه جماعة ممّن تأخّر عنه منهم المحقّق النائيني رحمهالله « بأنّ حقيقة الاستعمال كما بيّناه إلقاء المعنى في الخارج بحيث يكون الألفاظ مغفولاً عنها فالاستعمال يستدعي كون الألفاظ مغفولاً عنها وتوجّه النظر إليه بتبع المعنى بخلاف الوضع فإنّه يستدعي كون اللفظ منظوراً إليه باستقلاله ، ومن الواضح إنّه لا يمكن الجمع بينهما في آن واحد » (١).
ثمّ وقع الأعاظم بعده في حيص وبيص في مقام دفع هذا الإشكال وأجاب كلٌّ بجواب ، فأجاب بعض من تأخّر عنه بما حاصله : إنّ المستحيل هو اجتماع اللحاظين في ملحوظ واحد ، وفي ما نحن فيه متعلّق أحد اللحاظين غير متعلّق الآخر ، لأنّ اللحاظ الآلي متعلّقه شخص اللفظ ، واللحاظ الاستقلالي متعلّقه نوع اللفظ من أي متكلّم كان (٢).
ولكن يرد عليه : أنّ المفروض استعمال لفظ الحسن مثلاً مرّة واحدة لا مرّتين ، فيكون النوع والشخص موجودين بوجود واحد ، فيبقى محذور اجتماع اللحاظين على حاله.
وأجاب بعض الأعلام في تعليقته على أجود التقريرات بما حاصله : إنّ هذا الإشكال وارد على مبنى كون حقيقة الوضع إنشاء ، لأنّ الوضع حينئذٍ يتحقّق بنفس التلفّظ والإنشاء ، وأمّا بناءً على مختارنا من كونه هو التعهّد والالتزام فيقع الوضع قبل الاستعمال بطبيعة الحال ، لأنّ الالتزام يتحقّق قبل التكلّم ، فلا يكون في نفس الاستعمال لحاظان (٣).
وفيه : أوّلاً : ما مرّ من الإشكال في أصل مبناه في حقيقة الوضع.
وثانياً : سلّمنا ـ إلاّ أنّ التعهّد المحض من دون الإبراز والإظهار لا أثر له لعدم إيجابه التفاهم
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٣.
(٢) راجع مجمع الأفكار : ج ١ ، ص ٧٠.
(٣) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٣.