بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ) وهو يهوي (فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) بآية من آياته (جَعَلَهُ دَكّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١) منهم بأنّك لا تُرى.
فقال المأمون : للّه درّك ياأبا الحسن! فأخبرني عن قول اللّه عزوجل : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) (٢)؟
فقال الرضا عليهالسلام : لقد همّت به ولولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها كما همّت به لكنّه كان معصوما والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه ، ولقد حدّثني أبي عن أبيه الصادق (عليهالسلام) أنّه قال : همّت بأن تفعل وهمّ بأن لا يفعل. فقال المأمون : للّه درّك ياأبا الحسن! فأخبرني عن قول اللّه عزوجل : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) (٣)؟
فقال الرضا عليهالسلام : ذاك يونس بن متى عليهالسلام (ذَهَبَ مُغَاضِبا) لقومه (فَظَنَّ) بمعنى استيقن (أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي لم نضيّق عليه رزقه ومنه قوله عزوجل : (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) (٤) أي ضيّق وقتر (فَنادى فِي الظُلماتِ) أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت : «أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ
__________________
(١) سورة الأعراف : (الآية ١٤٣).
(٢) سورة يوسف : (الآية ٢٤).
(٣) سورة الأنبياء : (الآية ٨٧).
(٤) سورة الفجر : (الآية ١٦).