قال يونس : فيا لها من حسرة! فقلت : جعلت فداك! إنّي سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام يقولون : هذا ينقاد وهذا لا ينقاد (١) ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله.
فقال أبو عبداللّه عليهالسلام : إنّ ما قلت : فويل لهم ، إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون ، ثمّ قال لي : اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلّمين فأدخله.
قال : فأدخلت حمران بن أعين ـ وكان يحسن الكلام ـ وأدخلت الأحول (٢) ـ وكان يُحسن الكلام ـ وأدخلت هشام بن سالم ـ وكان يُحسن الكلام ـ وأدخلت قيس بن الماصر ـ وكان عندي أحسنهم كلاما ، وكان قد تعلّم الكلام من علي بن الحسين عليهماالسلام ـ.
فلمّا استقرّ بنا المجلس وكان أبو عبداللّه عليهالسلام قبل الحجّ يستقرّ أيّاما في جبل في طرف الحرم في فازة (٣) له مضروبة ، قال : فأخرج أبو عبداللّه عليهالسلام رأسه من فازته فإذا هو ببعير يخبُّ (٤) فقال : هشام وربّ الكعبة! قال : فظننا أنّ هشاما رجل من ولد عقيل ـ كان شديد المحبّة له ـ قال : فورد هشام بن الحكم وهو أوّل ما اختطّت لحيته وليس فينا إلاّ من هو أكبر سنّا منه ، قال : فوسّع له أبو عبداللّه عليهالسلام وقال : ناصرنا
__________________
(١) إشارة إلى قولهم في مناظراتهم : سلّمنا هذا ولا نسلّم ذاك ، كما أنّ هذا ينساق وهذا لا ينساق إشارة إلى قولهم بالنسبة إلى خصمهم : له أن يقول كذا ، وليس له أن يقول كذا.
(٢) أي أبو جعفر محمّد بن النعمان الملقّب بمؤمن الطاق.
(٣) الفازة : هي الخيمة الصغيرة.
(٤) يخبّ : أي يسرع في مشيه.