التتر والخوارزمشاهية :
إن خوارزمشاه محمد علاء الدين قضى على حكومات صغيرة وخرب فيها وانتهب وقارع الخلافة والحكومات مبعثرة ، لم تكن كتلة واحدة ، ولا استقرت حكومة خوارزمشاه بعد الحروب الدامية ولا اكتسبت انتظاما ولا قويت سلطتها على الممالك المفتوحة ... فهي في حالة تأسيس إدارة قوية ففاجأها التتر ، ولم تبق حكومة قوية تخلفها في انكسارها. وهذه الممالك انهكتها الحروب وتبعثرت أحوالها ...
وعن هذه قال ابن الأثير : «إن هؤلاء التتر إنما استقام لهم هذا الأمر لعدم المانع ، وسبب عدمه أن خوارزمشاه محمدا كان قد استولى على البلاد ، وقتل ملوكها وأفناهم ، وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها ، فلما انهزم منهم لم يبق في البلاد من يمنعهم ولا من يحميها ...» انتهى (١).
وهذا السبب المسهل يضاف إلى قوة جنگيزخان التي قضت على حكومات وأقوام كثيرة ، وأنهم من أهل البداوة والاعتياد على شظف العيش والبساطة ، والاكتفاء بما حصل وأن الكل محاربون ، ونساؤهم وأولادهم عون لهم في غزوهم وحروبهم ... وهذه الأسباب والظروف المتقدمة لا تخرج عن كونها مسهلات وإلا فالقوة في الأصل عظيمة ومدربة ، وقانونها (الياساق) قاطع لا يقبل التردد ، أو الافتكار ، بل هو واجب التنفيذ ، وأمراؤهم منقادون لرأس واحد ولا يسوغ لهم الاختلاط بأحد ، والمراجعة مع آخر أو التدخل في سياسة ، (فالطاعة) أصل الآمرية والمأمورية ... والجيش منسق ومنظم تنظيما لا يكاد يتيسر لمن قبله ...
وأقوى من كل مقارع له من أي قوم وأمة ، وليس هناك سر من الأسرار أو شيء خارق للعادة ، فمن ملك هذا الجيش المنقاد ودبره هذا التدبير ،
__________________
(١) ابن الأثير ج ١٢ ص ١٣٩».