أما العوامل المسهلة لهذا الفاتح من اختلال النظام والاضطرابات والفتن في الأمم المجاورة والحروب القائمة فيها على قدم وساق وتذبذب سياستها وتشتت آرائها وانحلال وحدتها باشتداد الخصام الأدبي والاجتماعي وتصلب أهليه تقوية لهذا الخلاف وتسهيلا للانفصال فهذه وأمثالها لا تخرج عن كونها وسائل مسهلة وخادمة لمصلحة الفاتح في فتوحه واكتساحه البلدان ...
لذا لا نرى وجها لأن نجعل قيمة في الدرجة الأولى إلى جنگيز وحده كما فعل ابن الأثير وغيره فنعتوه (بطاغية التتر وقهارها) وجعلوه هو الذي فعل ما فعل. فوجب أن نلم ببعض أحوال أمته لنكون على بينة من قابليتها الاستيلائية على عالم عظيم في مدة وجيزة وتدرجها وظهورها بحيث حازت مقاما عظيما في التاريخ مما دعا للانتباه ... ثم ندخل في أمر هذا الفاتح والطريقة التي سار عليها. فلا نتصور أن يظهر عظيم في وسط غير صالح ... ومن ثم نعرف مكانة هلاكو (فاتح بغداد).
وهنا نسير سيرا حثيثا وباستعجال فنتكلم عن اوائلهم إلى ظهور جنگيز سوى أننا نفرق الموضوع إلى مباحث تقريبا له. وفي كل الأحوال نراعي الإجمال.
بيان أصلهم
الترك ومكانتهم بين الأمم :
إن العلماء يعتبرون الأمم ثلاث كتلات أو مجموعات : طورانية وسامية وآرية. فالأوروبيون والعجم والأرمن من نسل الآريين ويقال لهم الهند الجرمني والهند الأوروبي. والعرب والسريان والعبرانيون من الأقوام السامية. والترك من الطورانيين أو بالتعبير الأصح أن الطورانيين من الترك. وهو اسمهم العام. وفي ضمنهم المغول.