الجنابة المتيقنة قد ارتفعت يقيناً ، والجنابة الاخرى مشكوكة الحدوث من الأوّل ، هذا.
ولكنّ الانصاف جريان الاستصحاب في الصورتين ، والفرق المذكور ليس بفارق فيما هو ملاك الاستصحاب من تعلق اليقين والشك بأمر واحد ، وذلك لأنّ الكلي متيقن حين اليقين بوجود العنوان الثاني ، وارتفاعه مشكوك فيه لاحتمال انطباق العنوان الثاني على فردٍ آخر غير الفرد المرتفع يقيناً ، وما ذكره من أنّ أحد الفردين مرتفع يقيناً والفرد الآخر مشكوك الحدوث إنّما يقدح في جريان الاستصحاب في الفرد دون الكلي ، لتمامية أركانه من اليقين في الحدوث والشك في البقاء بالنسبة إلى الكلي.
ولعل وجه الفرق بين الصورتين ما يظهر من عبارته بل هو مصرّح به من أنّه في فرض العلم بوجود فردين يكون وجود الكلي متيقناً حين وجود الفرد الثاني إمّا بوجود الفرد الأوّل أو بوجود الفرد الثاني ، وارتفاعه مشكوك فيه لاحتمال كون وجوده بوجود الفرد الثاني ، فيجري الاستصحاب في الكلي ، وهذا بخلاف الصورة الثانية فانّه لا علم فيها إلاّبوجود فردٍ واحدٍ وهو متيقن الارتفاع ، والفرد الآخر مشكوك الحدوث والأصل عدمه ، فالشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر وهو مدفوع بالأصل ، فلا مجال لاستصحاب الكلي لكونه مرتفعاً بالتعبد الشرعي.
والجواب عن ذلك يظهر مما ذكرناه (١) في دفع الاشكال عن القسم الثاني من استصحاب الكلي ، وملخص ما ذكرنا هناك : أنّ منشأ الشك في بقاء الكلي ليس هو الشك في حدوث الفرد الطويل ، بل منشؤه الشك في أنّ الحادث هل هو
__________________
(١) في ص ١٢٥ ـ ١٢٩.