القدرة العقلية ، وترك ما اخذت فيه القدرة الشرعية على ما يأتي أيضاً في مبحث التعادل والترجيح (١) إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ التنافي بين الاستصحابين أيضاً قد يكون بحسب مقام الجعل وقد يكون بحسب مقام الامتثال ، فإن كان التنافي بينهما في مقام الامتثال لعجز المكلف عن العمل بكليهما ، كما إذا شك في بقاء نجاسة المسجد وارتفاعها بالمطر مثلاً مع الشك في إتيان الصلاة وهو في الوقت ، فالحكم فيه ما تقدم من الأخذ بالأهم وبغيره من الامور المذكورة.
وقد يتوهّم عدم جواز الأخذ بالأهم وبغيره من الامور المذكورة في المقام ، إذ الاستصحاب شيء واحد ، ونسبة قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشك» إلى جميع أفراده على حد سواء ، بلا فرق بين كون المورد أهم أو غيره ، وبين كونه مما لا بدل له أو مما له بدل ، وبين كون المأخوذ فيه القدرة العقلية أو الشرعية.
لكنّه مدفوع بأنّ الاستصحاب وإن كان شيئاً واحداً ، إلاّأنّ العبرة في الرجوع إلى الامور المذكورة بما تعلق به اليقين والشك ، لا بنفس الاستصحاب ، فكما أنّه إذا احرز وجوب الصلاة ووجوب الازالة بالوجدان يجب الأخذ بالأهم منهما ، فكذا إذا احرزا بالاستصحاب.
ولا يخفى أنّ هذا النوع من التنافي بين الاستصحابين خارج عن محل الكلام ، وإنّما ذكر لتمامية الأقسام ، إذ الكلام في تعارض الاستصحابين ، وهذا التنافي خارج عن باب التعارض وداخل في باب التزاحم ، وملخص الفرق بينهما : أنّ التعارض عبارة عن تنافي الحكمين في مقام الجعل بحسب مقام الثبوت ، فيكون
__________________
(١) في ص ٤٣٠ وما بعدها.