بين دليليهما التكاذب في مقام الاثبات ، كما إذا دل دليل على وجوب شيء والآخر على عدم وجوبه أو على حرمته ، أمّا التزاحم فهو عبارة عن تنافي الحكمين بحسب مقام الفعلية دون مقام الجعل ، فلا يكون بين دليليهما التكاذب ، ولكن فعلية أحدهما مانعة عن فعلية الآخر ، لانتفاء موضوعه ، فان وجوب الازالة عن المسجد يوجب عجز المكلف عن الاتيان بالصلاة ، فينتفي وجوب الصلاة فعلاً بانتفاء موضوعه ـ وهو القدرة ـ إذ القدرة مأخوذة في موضوع جميع التكاليف ، وفعلية كل حكم بفعلية موضوعه.
وإن كان التنافي بين الاستصحابين بحسب مقام الجعل لا بحسب مقام الامتثال ، فقد يكون الشك في أحدهما مسبباً عن الشك في الآخر ، وقد لا يكون كذلك ، فإن كان الشك في أحدهما مسبباً عن الشك في الآخر يجري الاستصحاب في السبب فقط دون المسبب. وليس المراد من السبب في المقام هو السبب التكويني ، إذ مجرد كون الشيء مسبباً عن الآخر لا يوجب عدم اجتماعه مع السبب في الحكم ، فانّه لا منافاة بين كونه مسبباً عنه تكويناً وبين كونه معه من حيث الحكم في عرض واحد ، بل المراد هو السبب الشرعي المعبّر عنه بالموضوع ، فإن كان المستصحب في أحد الاستصحابين موضوعاً للمستصحب في الاستصحاب الآخر ، فجريان الاستصحاب في الموضوع يغني عن جريانه في الحكم ، إذ بعد ثبوت الموضوع بالتعبد الشرعي يكون ثبوت الحكم من آثاره ، فلا حاجة إلى جريان الاستصحاب فيه.
والسر في ذلك : أنّ الأحكام مجعولة بنحو القضايا الحقيقية ، فاذا ثبت الموضوع بالوجدان أو بالأمارة أو بالأصل يترتب عليه الحكم لا محالة. فاذا ثبت كون شيء خمراً وهو الصغرى ، فتنضم إليه الكبرى المجعولة بنحو القضايا الحقيقية ، وهي قولنا : الخمر حرام ، فتترتب النتيجة لا محالة ، غاية الأمر أنّ