الانكشاف له الثبات والدوام بعد ما لم يكن بهذه المرتبة. ولعلّه لما ذكرنا لايطلق القاطع والمتيقن عليه تعالى لاستحالة الحيرة وعدم ثبات الانكشاف في حقّه تعالى. ويطلق عليه العالم لكون الأشياء مكنشفةً لديه ، فالمراد من اليقين هو نفسه لا المتيقن ، إلاّأنّ إسناد النقض إلى اليقين ليس باعتبار صفة اليقين ولا باعتبار الآثار المترتبة على نفس اليقين.
أمّا الأوّل : فلأنّ اليقين من الصفات الخارجية وقد انتقض بنفس الشك إن اخذ متعلقه مجرداً عن الزمان ، ولا يمكن نقضه إن اخذ مقيداً بالزمان ، فإنّا إذا علمنا بعدالة زيد يوم الجمعة مثلاً ثمّ شككنا في بقائها يوم السبت ، فإن اخذ اليقين بعدالة زيد مجرّداً عن التقييد بيوم الجمعة ، فقد انتقض هذا اليقين بالشك ، فلا معنى للنهي عنه ، وإن اخذ مقيداً بيوم الجمعة فهو باقٍ ، فطلب عدم نقضه طلب للحاصل.
وأمّا الثاني : فلعدم ترتب حكم شرعي على وصف اليقين من حيث هو ، ولو فرض فهو يقين موضوعي خارج من مورد أخبار الاستصحاب ، إذ من المعلوم أنّ موردها القطع الطريقي ، لعدم ترتب الحكم المأخوذ في موضوعه صفة اليقين على الشك قطعاً ، فلا بدّ من أن يكون المراد من عدم نقض اليقين هو ترتيب آثار المتيقن والجري العملي بمقتضاه ، على ما تقدّم (١) في أوّل بحث القطع من أنّه بنفسه طريق إلى المتيقن وموجب للجري العملي وترتيب آثار المتيقن ، فيكون رفع اليد عن ترتيب الآثار على المتيقن نقضاً لليقين وقد نهى الشارع عنه.
هذا فيما إذا كان المتيقن مما له الدوام والثبات في نفسه لولا الرافع ، وأمّا إذالم
__________________
(١) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص ١٣ ـ ١٦.