تقدير الارجاع المذكور ـ هو الحكم بوجود الصحيح مما تعلق به الشك ، وهو كافٍ في ترتب الأثر ، فاذا باع زيد داره من عمرو بثمن معيّن ، وشك في صحة هذه المعاملة وفسادها ، كان مقتضى قاعدة الفراغ ـ بعد الارجاع المذكور ـ هو الحكم بوجود بيع صحيح يكون المبيع فيه الدار بالثمن المعيّن. والتعبد بوجود هذا البيع كافٍ في ترتب الأثر وإن لم تثبت صحة هذه المعاملة الشخصية الخارجية ، كما هو الحال في العبادات ، فانّه على تقدير الشك في صحة صلاة الظهر بعد الفراغ منها يحكم بوجود صلاة الظهر صحيحةً بمقتضى قاعدة الفراغ بعد الارجاع المذكور ، وهو كافٍ في حكم العقل بالفراغ وإن لم تثبت صحة الصلاة الشخصية. ولولا أنّ مفاد قاعدة الفراغ هذا المعنى ، لما كان للحكم بالفراغ مجال ، إذ لو كان مفادها هو الحكم بوجود صلاة صحيحة مطلقة ولو غير صلاة الظهر ، لم يكن مجال للحكم بالفراغ من صلاة الظهر في مفروض المثال ، فلا فرق بين العبادات والمعاملات من هذه الجهة ، فالعمدة هو الاعتراض الأوّل.
والتحقيق : أنّ الاستدلال المذكور ساقط من أصله ، لما ذكرناه مراراً (١) من أنّ معنى الاطلاق هو إلغاء جميع الخصوصيات لا الأخذ بجميعها ، فاذا جعل حكم لموضوعٍ مطلق معناه ثبوت الحكم له بالغاء جميع الخصوصيات ، كما إذا جعلت الحرمة للخمر المطلق مثلاً فانّه عبارة عن الحكم بحرمة الخمر بالغاء جميع الخصوصيات من كونه أحمر أو أصفر أو مأخوذاً من العنب أو من التمر وغيرها من الخصوصيات ، لا الحكم بحرمة الخمر مع لحاظ الخصوصيات والاحتفاظ بها ، بمعنى أنّ الخمر بما هو أحمر حرام ، وبما هو أصفر حرام ، وهكذا.
__________________
(١) راجع على سبيل المثال محاضرات في اصول الفقه ٤ : ٥١٢.