الثاني : أي ما كان له البدل العرضي ، كالواجب التخييري ، فاذا وقع التزاحم بينه وبين الواجب التعييني ، وجب تقديم التعييني عليه ، والاكتفاء بالبدل العرضي للواجب التخييري ، كما إذا وجب على المكلف إحدى الكفارات الثلاث تخييراً وكان عليه دين ، ووقع التزاحم بين أدائه وبين الاطعام مثلاً ، فيجب تقديم الدين على الاطعام ، لما له من البدل العرضي وهو الصيام.
وهذا الذي ذكروه من تقديم الواجب المضيق على الموسع ، وتقديم الواجب التعييني على التخييري وإن كان مما لا إشكال فيه ، إلاّأنّ إدراج المثالين في التزاحم والحكم بأنّ التقديم المذكور إنّما هو لترجيح أحد المتزاحمين على الآخر ، ليس بصحيح ، لما ذكرناه من أنّ ملاك التزاحم أن لا يكون المكلف متمكناً من امتثال الحكمين معاً ، بحيث يكون امتثال أحدهما متوقفاً على مخالفة الآخر كمسألة إنقاذ الغريقين. والمثالان ليسا كذلك ، بداهة أنّه لا مزاحمة بين الواجب الموسع والواجب المضيق ، لقدرة المكلف على امتثال كليهما ، إذ التكليف في الواجب الموسع متعلق بالطبيعة ملغىً عنها الخصوصيات الفردية ، والمكلف قادر على امتثال التكليف بالطبيعة في ضمن الفرد غير المزاحم للواجب المضيق. نعم ، الفرد الخاص من الطبيعة مزاحم للواجب المضيق ، وليس هو الواجب ، بل الواجب هو الطبيعة ، وهو فرد منه.
وكذا الكلام في الواجب التخييري والتعييني ، فانّه لا مزاحمة بينهما ، لقدرة المكلف على امتثال كليهما ، لأنّ التكليف في الواجب التخييري أيضاً متعلق بالجامع ، وإن كان أمراً انتزاعياً ، كعنوان أحد الأمرين. ولا مزاحمة بين التكليف بالكلي والواجب التعييني ، وإنّما المزاحمة بين فرد خاص منه والواجب التعييني ، وليس هو الواجب إلاّعلى قول سخيف في الواجب التخييري ، وهو أنّ الواجب ما يختاره المكلف ، وقد تبرّأ من هذا القول كل من الأشاعرة والمعتزلة ، ونسبه