إلى الآخر ، فلا مزاحمة بين الواجبين في المثالين. ووجوب التقديم فيهما إنّما هو بحكم العقل ، لكون المكلف قادراً على امتثال التكليفين ، فيجب عليه امتثالهما عقلاً بتقديم المضيق والاتيان بالموسع بعده ، وباتيان الواجب التعييني والعدل غير المزاحم له من أفراد الواجب التخييري. ولا يجوز تقديم الموسع والواجب التخييري ، فانّه يوجب فوات الواجب المضيق والواجب التعييني من قبل نفسه.
المرجح الثاني : كون أحد الواجبين غير مشروط بالقدرة شرعاً ، فيقدّم على واجب مشروط بها شرعاً.
والمراد بالثاني ما يكون ملاكه متوقفاً على القدرة ، ففي صورة العجز ليس له ملاك أصلاً ، بخلاف الأوّل فانّ المراد به ما يكون ملاكه غير متوقف على القدرة ، فهو تام الملاك ولو مع العجز ، وإن كان المكلف معذوراً في فواته عقلاً ، كما إذا دار الأمر بين حفظ النفس المحترمة من الهلاك ، وبين الوضوء فانّ ملاك حفظ النفس ومصلحته غير متوقف على القدرة ، وإن كان العاجز معذوراً عقلاً ، بخلاف الوضوء فانّه مشروط بالقدرة شرعاً بقرينة مقابلة الأمر به للأمر بالتيمم المقيد بفقدان الماء. والمراد به عدم القدرة على الوضوء ، إذ من المعلوم أنّ مجرد وجدان الماء لا يرفع التكليف بالتيمم ، ولو مع عدم القدرة على الاستعمال. وبعد كون التكليف بالتيمم مشروطاً بعدم القدرة على الوضوء يكون التكليف بالوضوء مشروطاً بالقدرة لا محالة ، لأنّ التقسيم قاطع للشركة كما ذكرناه سابقاً ، فيجب تقديم حفظ النفس وينتقل من الوضوء إلى التيمم ، لأ نّه مع تقديمه لا تفوت عن المكلف مصلحة أصلاً ، فان مصلحة حفظ النفس محفوظة بالامتثال ، ومع صرف القدرة فيه ينتفي التكليف بالوضوء بانتفاء