حينئذ هو العمل بالعام ، لكونه دليلاً اجتهادياً ، والاستصحاب أصلاً عملياً ، فتكون النتيجة تقديم النسخ على التخصيص.
والانصاف عدم ورود هذا الاشكال على صاحب الكفاية قدسسره لما ذكرناه في البحث عن استصحاب بقاء أحكام الشرائع السابقة (١) من أنّ النسخ الحقيقي في الأحكام الشرعية غير متصور ، لاستلزامه البداء المستحيل في حقه تعالى ، فالشك في النسخ راجع إلى الشك في تخصيص الحكم المجعول من جهة الزمان ، فلا مانع من التمسك باطلاق دليله ، بلا احتياج إلى الاستصحاب ، إذ الدليل يثبت الحكم للطبيعة ، فيشمل أفرادها العرضية والطولية ، وليس استمرار الحكم إلاّعبارة عن ثبوته للأفراد الطولية للطبيعة.
نعم ، يرد عليه إشكال آخر ، وهو أن شمول الحكم للأفراد الطولية إنّما هو بالاطلاق المتوقف على جريان مقدمات الحكمة ، وشمول العام لجميع الأفراد إنّما هو بالوضع ، وقد تقدّم (٢) أنّه إذا دار الأمر بين العموم والاطلاق يقدّم العموم على الاطلاق ، ولازمه في المقام تقديم النسخ على التخصيص.
وذكر المحقق النائيني (٣) قدسسره وجهاً آخر لتقديم التخصيص على النسخ ، وهو أن دلالة ألفاظ العموم على شمول الحكم لجميع الأفراد متوقفة على جريان مقدمات الحكمة في مدخولها ، والخاص مانع عنها لكونه بياناً.
وهذا الكلام مأخوذ مما ذكره صاحب الكفاية في بحث العام والخاص (٤) من أن
__________________
(١) راجع ص ١٧٥.
(٢) في ص ٤٥٣.
(٣) أجود التقريرات ٤ : ٢٩٤ ، راجع أيضاً فوائد الاصول ٤ : ٧٣٨ و ٧٤٠.
(٤) كفاية الاصول : ٢١٧.