الحرمة ولا جعل الحلية ، وذلك لما مرّ غير مرّة ويأتي في أواخر الاستصحاب (١) إن شاء الله تعالى من أنّ قوام التعارض بين الأصلين بأحد أمرين على سبيل منع الخلو ، وربّما يجتمعان :
أحدهما : أن يكون التنافي بين مفاد الأصلين في نفسه مع قطع النظر عن لزوم المخالفة القطعية العملية ، كما إذا كان مدلول أحد الأصلين الاباحة ومدلول الآخر الحرمة ، أو كان مدلول أحدهما الاباحة ومدلول الآخر عدمها ، فلا يصح التعبد بالمتنافيين فيقع التعارض بينهما ويتساقطان ، لعدم إمكان شمول دليل الحجية لكليهما ، وشموله لأحدهما ترجيح بلا مرجح.
وثانيهما : أن تلزم من العمل بهما المخالفة العملية القطعية ولو لم يكن التنافي بين المدلولين ، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الاناءين ، فجريان أصالة الطهارة في كل واحد منهما وإن لم يكن بنفسه منافياً لجريانها في الآخر ، إلاّأ نّه تلزم من جريانه في كليهما المخالفة العملية القطعية ، وكذا في سائر مقامات العلم الاجمالي بالتكليف الالزامي.
وكلا الأمرين مفقود في المقام ، لعدم المنافاة بين أصالة عدم جعل الحلية وأصالة عدم جعل الحرمة ، لأنّ الحلية والحرمة متضادان ، فلا يلزم من التعبد بكلا الأصلين إلاّارتفاع الضدّين ، ولا محذور فيه. فنتعبد بكليهما ونلتزم بعدم الجعل أصلاً ، ولا تلزم مخالفة عملية قطعية أيضاً ، غاية الأمر لزوم المخالفة الالتزامية للعلم الاجمالي بجعل أحد الحكمين في الشريعة المقدّسة ، ولا محذور فيه ، فنلتزم بعدم الجعل في مقام العمل ، وفي مقام الافتاء نرجع إلى غيرهما
__________________
(١) لاحظ ص ٣٠٥ ، والجزء الثاني من هذا الكتاب ص ٤٠٤ وما بعدها.