من الاصول كأصالة البراءة مثلاً في المقام ، فنفتي بعدم حرمة الوطء لأصالة البراءة.
ونظير ذلك ما تقدّم (١) في دوران الأمر بين المحذورين ، فان في الحكم بالتخيير هناك مخالفة التزامية لما هو معلوم بالوجدان من الحرمة أو الوجوب ، ولا محذور فيه بعد كون الحكم بالتخيير بالتعبد الشرعي ، ولا تلزم المخالفة العملية القطعية ، لأ نّه لا يخلو إمّا من الفعل المطابق لاحتمال الوجوب أو الترك المطابق لاحتمال الحرمة ، ولولا ذلك لما جاز الافتاء من المجتهد بما في رسالته العملية المشتملة على المسائل الكثيرة ، للعلم الاجمالي بمخالفة بعض ما في الرسالة للحكم الواقعي ، فلا بدّ له من التوقف عن الافتاء. نعم ، من ليس له هذا العلم الاجمالي ـ ويحتمل مطابقة الواقع لجميع ما في رسالته على كثرة ما فيها من المسائل ـ جاز له الافتاء ، ولكنّه مجرد فرض ، ولعلّه لم يوجد مجتهد كان شأنه ذلك.
فالسر في جواز الافتاء هو ما ذكرنا من أنّه لا مانع من الافتاء بعد كونه على الموازين الشرعية وبرخصة من الشارع ، ولا محذور في المخالفة الالتزامية ، والمخالفة العملية القطعية غير ثابتة ، لاحتمال كون ما صدر منه مخالفاً للواقع هو الافتاء بحرمة المباح الواقعي ، ولا تلزم منه مخالفة عملية ، فانّ المخالفة العملية إنّما تتحقق فيما علم الافتاء باباحة الحرام الواقعي ، وليس له هذا العلم ، غاية ما في الباب علمه بكون بعض ما في الرسالة مخالفاً للواقع إمّا الافتاء بحرمة المباح الواقعي أو باباحة الحرام الواقعي.
الوجه الثالث : أنّه لو تنزلنا عن جميع ذلك فنقول : إنّه يقع التعارض بين
__________________
(١) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص ٣٨٥.