هذه الاستصحابات الثلاثة في مرتبة واحدة ، لا أنّه يقع التعارض بين استصحاب عدم جعل الحرمة واستصحاب عدم جعل الحلية في مرتبة متقدمة على استصحاب بقاء المجعول ، وبعد تساقط الاستصحابين في مقام الجعل تصل النوبة إلى استصحاب بقاء المجعول ويتم المطلوب ، وذلك لأنّ جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية لايكون متوقفاً على تحقق الموضوع في الخارج ، بحيث يكون استصحاب بقاء الحرمة متوقفاً على وجود زوجة انقطع دمها ولم تغتسل ، بل يجري الاستصحاب على فرض وجود الموضوع ، فانّ جميع فتاوى المجتهد مبنية على فرض وجود الموضوع ، فلا يتوقف الاستصحاب المذكور إلاّعلى فعلية اليقين والشك على فرض وجود الموضوع ، وكل مجتهد التفت إلى الحكم المذكور ـ أي حرمة وطء الحائض بعد انقطاع دمها ـ يحصل له اليقين بحرمة الوطء حين رؤية الدم ، واليقين بعدم جعل الحرمة قبل نزول الآية الشريفة «فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ» (١) واليقين بعدم جعل الاباحة في الصدر الأوّل من الاسلام ، ويحصل له الشك في حرمة الوطء بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال ، وكل واحد من هذه الامور فعليٌ عند الافتاء على فرض وجود الموضوع ، فيقع التعارض بين الاستصحابات الثلاثة في مرتبة واحدة وتسقط جميعها.
وربّما يقال في المقام : إنّ أصالة عدم جعل الحرمة حاكمة على استصحاب بقاء المجعول ، لكون الأوّل أصلاً سببياً بالنسبة إلى الثاني ، فانّ الشك في بقاء الحرمة مسبب عن الشك في سعة جعل الحرمة وضيقها ، فأصالة عدم جعل الحرمة موجبة لرفع الشك في بقاء المجعول ، فلايبقى للاستصحاب الثاني موضوع.
وهذا الكلام وإن كان موافقاً للمختار في النتيجة ، إلاّأ نّه غير صحيح في
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٢٢.