لم يعتبر في حجيتها حياة الراوي ، والوجه في هذا الظهور : أنّ المرجع في باب التقليد هو المفتي ، فلا بدّ من أن يكون حياً حين الرجوع إليه لا الفتوى ، بخلاف باب الرواية ، فانّ المرجع فيه هي الرواية لا الراوي.
ويظهر هذا الفرق من مراجعة أدلة المقامين ، فانّ المستفاد من الآيات والروايات الدالة على حجية الفتوى أنّ المرجع : الفقهاء ورواة الأحاديث والعارف بالأحكام ، بخلاف أدلة حجية الرواية ، فانّ المستفاد منها وجوب الرجوع إلى الرواية لا الراوي ، ألا ترى أنّ المستفاد من قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ...)(١) إلخ أنّ الموضوع هو النبأ لا المنبئ وكذا قوله عليهالسلام : «لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا» (٢) فان موضوع عدم جواز التشكيك ما يرويه الثقات لا الثقات ، فلاحظ.
وبالجملة : لا وجه للتمسك بالاستصحاب في إثبات حجية فتوى المجتهد بعد موته. وما قيل من أنّ مقتضى السيرة العقلائية هو جواز الرجوع إلى فتوى المجتهد بعد موته لأنّهم لا يفرّقون في الرجوع إلى أهل الخبرة ونظرهم بين حيّهم وميّتهم ، ومن ثمّ ترى أنّهم يراجعون كتب الطب ويعملون بما فيها ولو بعد موت مؤلفيها ، مندفع بما ذكرناه سابقاً ، من أنّ بناء العقلاء لا اعتبار له ما لم يقع مورداً لامضاء الشارع ، وقد عرفت أنّ مقتضى ظاهر أدلة الامضاء من الآيات والروايات هو اعتبار الحياة في حجية فتوى المجتهد.
ويمكن الاستدلال على عدم جواز تقليد الميت بوجه آخر : وهو أنّه لو جاز
__________________
(١) الحجرات ٤٩ : ٦.
(٢) الوسائل ٢٧ : ١٤٩ ـ ١٥٠ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٤٠.