الأولياء ؛ فإن أكثرهم كانوا محترفين مكتسبين بأسباب مختلفة ، حتى أن داود كان يكتسب بالدروع ، وإدريس بالخياطة ، وموسى بالرعاية ، والنبي عليه الصلاة والسلام بالتجارة قبل المبعث ، وعلى هذا كان الأولياء من السلف ، والخلف.
ثم لو كان كما ذكروه ؛ لحرم النظر فى معرفة الله ـ تعالى ـ والسعى فى الاتيان بالعبادات ، وتخليص النفس من الهلاك ، عند الوقوع فى المهالك ، وأن يمد أحد يده إلى ما حضر بين يديه من الطعام لتناوله ، وأن يتصرف فى شيء من مهمات الدنيا ، والآخرة ؛ لأن ذلك يدل على عدم الإيمان ، وقلة الثقة بالله ـ تعالى. فيما ثبت من محتوم قضائه وقدره ، وأن كل حادث يحدث بإحداثه ؛ وأنه لا دافع ، ولا مانع لما قضاه ، وأمضاه.
فلئن قالوا : حيث قيل بانتفاء الحرمة عن السعى ؛ كان السعى مأمورا به ، ومأذونا فيه.
قلنا : واكتساب الرزق أيضا ، مأذون فيه ، بدليل ما ذكرناه من نصوص الكتاب ، وإجماع الأمة ؛ فإن ذلك وإن لم يدل على الوجوب ، فأدنى درجاته الإذن ، والإباحة.
وما قيل من أن الأرزاق مشوبة بالمحرمات.
قلنا : الأصل فى الكل الإباحة ، واحتمال مخالطة المحرم لكل واحد من الأموال ، وإن كان قائما ، إلا أنه بعيد. وبتقدير أن يكون مشكوكا فيه ؛ فلا يكون دافعا للأصل بخلاف ما ذكروه من الأمثلة ؛ إذ ليس الأصل هو الحل فى الكل ، والاجتهاد غير جار فيها ؛ لعدم العلامة المبيحة ، حتى إنه لو انقدح احتمال وجود العلامة الدالة على الإباحة كما فى الميتة والمذكاة.
قلنا : منع بالإباحة على وجه لنا فى المذهب. ثم يلزم من ذلك تحريم تناول الأغذية مطلقا. كما قيل بتحريم الاكتساب.
ولا يخفى ما فى ذلك من الوقوع فى المحرم ، وهو إلقاء النفس فى التهلكة ؛ وهو خلاف إجماع الأمة ، وخلاف قوله ـ تعالى ـ (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (١).
__________________
(١) سورة البقرة ٢ / ١٩٥.