ولو كان ذلك محرما ؛ لما ساغ من النبي عليهالسلام ، ومن الصحابة ، وأهل الحل والعقد من بعدهم ، أن يتواطئوا على الخطأ ؛ إذ هو متعذر عادة ، وممتنع شرعا.
فإن قيل : طلب الرزق ، والاجتهاد فى اكتسابه ، يلزم منه أمر محرم ؛ فكان محرما.
وبيان ذلك : هو أن طلب الرزق ، يشعر بعدم الإيمان بالله ـ تعالى ـ وقلة الثقة (١) فيما أخبر به ؛ وذلك حرام ؛ فكان طلب الرزق حراما.
وبيان لزوم قلة الثقة بخبره ، بتقدير طلب الرزق : هو أن قوله ـ تعالى ـ (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) (٢). وقوله ـ تعالى ـ (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (٣). وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) (٤). وقوله عليه الصلاة والسلام : «لو اتكلتم على الله حق اتكاله لكنتم كالطير ، تغدوا خماصا ، وتروح بطانا» (٥).
وذلك كله يدل على أن الله ـ تعالى ـ متكفل بأرزاق عباده بخبره ؛ فالطلب لما أخبر بوقوعه ، يدل على قلة الثقة بخبره ؛ وهو حرام.
وأيضا : فإن الأرزاق مشوبة بالمحرمات ، وبالسعى لا يأمن من مصادفة المحرم بالتصرف فيه ، وأكله ؛ وذلك حرام ، وإذا وقع الاشتباه والتردد بين الحرام ، وما ليس بحرام ؛ فالتجنب ، والكف ؛ واجب. كما لو اختلطت ميتة بمذكاة ، وأخت من الرضاع بأجنبية.
والجواب :
أنا لا نسلم أن طلب الرزق يشعر بعدم الإيمان ، وقلة الثقة فيما أخبر به الله ـ تعالى ـ / من الرزق لعباده ، وإلا كان ذلك موجبا للقدح فيمن سلف من الأنبياء ، وغيرهم من
__________________
(١) فى ب (الثقة به).
(٢) سورة هود ١١ / ٦.
(٣) سورة الاسراء ١٧ / ٣١.
(٤) سورة الذاريات ٥١ / ٥٨.
(٥) ورد فى ب (لو اتكلتم على الله حق اتكاله لرزقتم كما ترزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا). وقد أورده أحمد فى المسند ، والترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم كلهم عن عمر بلفظ «لو أنكم توكلون على الله تعالى حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» ورمز له السيوطى بالصحة.
(الجامع الصغير ج ٢ حديث رقم ٧٤٢٤).