«المسألة العاشرة»
«فى التوفيق ، والعصمة ، والخذلان»
أما التوفيق : ففى اللغة : عبارة عن تهيؤ العبد للموافقة.
وأما فى عرف المتكلمين : فمختلف.
فالذى ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعرى ، وأكثر الأئمة من أصحابه (١) : أن التوفيق : هو خلق القدرة على الطاعة ، وهو موافق للوضع اللغوى ؛ إذ الموافقة إنما هى بالطاعة ، وبخلق القدرة الحادثة يكون التهيؤ للموافقة ضرورة ، وحصول الموافقة عنده ، وعدم حصولها عند عدمه ، وإن لم تكن القدرة الحادثة مؤثرة فى الإيجاد.
وعلى هذا فمن زعم من أصحابنا كالإمام أبى المعالى (٢) : أن التوفيق : هو خلق الطاعة ؛ لعدم تأثير القدرة الحادثة فى الطاعة ؛ فقد أبعد عن الوضع اللغوى ، من حيث أن الطاعة بها الموافقة لا التهيؤ للموافقة ، وإن كان لا حرج عليه فى الاصطلاح على ذلك مع نفسه.
وأما المعتزلة (٣) : فمختلفون فى ذلك.
فمنهم : من زعم أن التوفيق : هو الدعوة ، وإيضاح سبل المراشد ، وتبين مقاصدها.
ومنهم : من زعم أن التوفيق : هو اللطف ، على ما سبق تحقيقه.
والمذهبان باطلان.
أما الأول : فلأنه يلزم منه أن يقال : الكفار موفقون ، لتحقيق هذا المعنى فى حقهم ؛ وهو ممتنع.
وأما الثانى : فمن جهة أن الأمة مجمعة على تسويغ الدعاء ، وطلب التوفيق من الله ـ تعالى ـ ؛ فلو كان هو اللطف كما ذكروه : فإما أن يكون ممكنا ، أو لا يكون ممكنا.
__________________
(١) فى ب (أصحابه إليه).
لتوضيح رأى الأشاعرة فى هذه المسألة : انظر الإرشاد لإمام الحرمين ص ٢٥٤ ، ٢٥٥ ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤١١ ـ ٤١٤ وشرح المواقف ٢ / ٣٨٨ ، ٣٨٩ وشرح المقاصد ٢ / ١١٨.
(٢) انظر الإرشاد ص ٢٥٤ ، ٢٥٥.
(٣) لتوضيح رأى المعتزلة فى هذه المسألة انظر : شرح الأصول الخمسة ص ٥١٨ ـ ٥٥٥.