فإن قيل : قوله ـ تعالى ـ : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ* وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (١) : أى الأصنام التي كانوا ينحتونها ، ويتخذونها آلهة ؛ وهى لا محالة مخلوقة لله ـ تعالى ـ وإطلاق اسم العمل على ما ينحت ، ويصور بصورة (٢) خاصة سائغ لغة ، ومنه يقال : هذا الباب من عمل فلان ، وإن كان الباب نفسه ، ليس من عمله. ويدل على ذلك أيضا قوله ـ تعالى ـ : (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (٣). وإنما كانت تلقف الحبال ، والعصى ، وليست فعلا لهم.
ويدل على هذا التأويل أنه لو أراد به الأعمال المقدورة للعباد حقيقة ؛ لكان القول بأنها من أفعال الله ـ تعالى ـ تناقضا ؛ فإن ما يعمله العبد / لا يكون لغيره.
والجواب :
هو أن حمل العمل على الأصنام مجاز ، والأصل فى الإطلاق الحقيقة ، وإضافة العمل إليهم بقوله : وما تعملون ، إنما هو إضافة اكتساب لا خلق ؛ على ما تقدم.
وأيضا : قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٤) ، وهو ظاهر فى النعيم عند من يقول بصيغ العموم ، وعند من لا يقول بصيغ العموم ؛ فلما اقترن به من قرينة التمدح ، والاستعلاء ، ولو كان غيره خالقا لشيء من الأشياء ؛ لبطلت فائدة التمدح ، والاستعلاء ؛ وهو ممتنع.
ولا نسلم أن المخاطب يدخل فى عموم خطابه حتى يقال : إن عموم الآية قد خص بذاته ، وصفاته ؛ حيث أنها أشياء ، وليست مخلوقة له ؛ لأن التخصيص إنما يكون بإخراج ما هو داخل تحت عموم اللفظ عن كونه مرادا باللفظ ، وما لا يكون داخلا تحت عموم اللفظ ؛ فخروجه عنه لا يكون تخصيصا له.
والّذي يدل على أن المتكلم لا يدخل تحت عموم كلامه ، أنه لو قال القائل : إنى قطعت كل مناظر لا يكون نفسه داخلة (٥) فيه ، ولا يكون هو مفهوما من لفظه ، وإن كان
__________________
(١) سورة الصافات ٣٧ / ٩٥ ، ٩٦.
(٢) فى ب (بصور).
(٣) جزء من الآية رقم ١١٧ من سورة الأعراف ، وجزء من الآية رقم ٤٥ من سورة الشعراء.
(٤) سورة الأنعام ٦ / ١٠٢.
(٥) فى ب (داخلا).