رب الأرباب ، وإليه التوسل ، والتقرب ؛ فإن التقرب إليها تقرب إلى الروحانيات (١) ، التى هى كالأرواح بالنسبة إليها ، ولا جرم دعوا إلى عبادة الكواكب السبعة السيارة.
ثم أخذوا فى تعريفها ، وتعريف أحوالها بالنسبة إلى طبائعها ، وبيوتها ، ومنازلها ، ومطالعها ، ومغاربها ، واتصالاتها ، ونسبتها إلى الأماكن ، والأزمان ، والليالى ، والأيام ، والساعات ، وما دونها إلى غير ذلك.
ثم تقربوا إلى كل هيكل ، وسألوه / بما يناسبه من الدعوات فيما يناسبه من الأماكن والأزمان ، واللباس الخاص به ، والتختم بالخاتم المطبوع على صورته ، والهياكل عندهم أحياء ، ناطقة ، بحياة الروحانيات (١) ، التى هى أرواحها ، ومتصرفة فيها.
ومنهم من جعل هيكل الشمس : رب الهياكل والأرباب. وهذه الهياكل هى المدبرة لكل ما فى عالم الكون ، والفساد ؛ على ما سلف تعريفه فى تعريف مذهب الفريق الأول.
وربما احتجوا على وجود هذه المدبرات ، وأنها أحياء ناطقة : بأن حدوث الحوادث : إما أن يكون مستندا إلى حادث ، أو قديم.
لا جائز أن يكون مستندا إلى حادث : إذ الكلام فيه ؛ كالكلام فى الأول ، والتسلسل ، والدور محالان ؛ فلم يبق إلا أن يكون مستندا إلى ما هو فى نفسه قديم ، وذلك القديم : إما أن يكون موجبا بذاته ، أو بالاختيار.
فإن كان الأول : فإما أن يكون كل ما لا بد منه فى إيجاد الحادث متحققا معه ، أو أنه متوقف على تجدد أمر.
فإن كان الأول : فيلزم قدم المعلول ، لقدم علته وشرطه ؛ وهو محال.
وإن كان الثانى : فالكلام فى تجدد ذلك الأمر : كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.
فلم يبق : إلا أن يكون فاعلا مختارا ، وليس فى عالم الكون والفساد : فاعل قديم مختار ؛ فلم يبق غير (٢) الأفلاك ، والكواكب ـ ولذلك حكموا بكونها أحياء (٣) ناطقة.
__________________
(١) فى ب (الروحانية).
(٢) فى ب (إلا).
(٣) فى ب (أحيانا).