وإن كان شرا محضا : فقد صدر عنهما ؛ والشر المحض لا يصدر عن النور عندهم.
وإن كان الثالث : فإما أن يكون من جهة ما هو خير مقدورا على تحصيله للنور قبل حصوله ، أو معجوزا عنه.
فإن كان الأول : فترك النور له شر منه.
وإن كان الثانى : فالعجز عن تحصيل الخير شر ؛ فلا يكون خيرا محضا.
الثانى : هو أن الكذب والظلم قبيح عندهم مطلقا : ولا يتصور صدوره عن النور ؛ بل عن الظلمة. فإذا قال من صدر عنه الظلم ، أو الكذب : أنا ظلمت ، وكذبت.
فالقائل بهذا القول : إما النور ، أو الظلمة ، أو هما :
فإن كان الأول : فالنور كاذب ؛ والكذب شر.
وإن كان الثانى : فالظلمة صادقة ؛ والصدق خير.
وإن كان الثالث : فالنور كاذب ، والظلمة صادقة ، ويلزم من ذلك صدور الشر عن النور ، والخير عن الظلمة ؛ ولم يقولوا به.
فإن قالوا : الدليل على تركب أجسام العالم من النور ، والظلمة : أنا وجدنا بعض الأجسام ذا ظل : فعلمنا أن الظلمة غالبة عليه ، وبعضها لا ظل له : فعلمنا أن النور غالب عليه.
قلنا : هذا إنما يلزم أن لو كان كل ما لا ظل له يكون نيرا ، وليس كذلك. بدليل الهواء
وإن سلمنا أن كل ما لا ظل له نير : ولكن لا يلزم أن ما كان له ظل ؛ فالظلمة غالبة عليه ؛ بل هو محض ظلمة لا مركب وما لا ظل له ؛ فهو نور محض لا مركب.
وإن سلمنا أن كل جسم من أجسام العالم لا يخلو عن النور ، والظلمة ؛ فلا نسلم أنه يلزم من اتصافه بهما ؛ أن يكون مركبا منهما.
وإن سلمنا أن أجزاء العالم (١) مركبة من النور والظلمة : ولكن لا نسلم حدوث الامتزاج مع القول بقدم الممتزجين.
__________________
(١) فى ب (العلم).