وأما الوجه الثانى :
فلا نسلم أن امتناع قيام القدرة على الكون بالبصرة حالة كونه ببغداد من غير ضد لها ، ولا لشرطها ؛ على ما تقرر فى الوجه الّذي قبله.
وإن سلمنا انتفاء جميع الأضداد لها ، ولشرطها ؛ ولكن لم قلتم إن القول بانتفائها من غير ضد لها ، ولشرطها ؛ ممتنع؟.
وإذا جاز عندهم : امتناع وجود العلم بالشيء حالة النظر فيه ، مع أنه لا تضاد بين النظر فى الشيء والعلم به عندهم ، ولا بين النظر / وشرط العلم ؛ فما المانع من تجويزه هاهنا؟
وأما الوجه الثالث :
فمبنى على امتناع الذمّ على ما لا قدرة عليه ؛ وهو ممنوع على أصلنا : فإن المأمور عندنا بفعل غير قادر عليه قبل التلبس به ؛ وهو مذموم على تركه.
وإن قيل إن ذلك قبيح ، أو تكليف بما لا يطاق ؛ فقد أبطلنا القول بالتحسين ، والتقبيح الذاتي ، (وبينا (١)) جواز التكليف بما لا يطاق ، فى التعديل والتجوير (٢).
وإن سلمنا إمكان قيام القدرة على الكون بالبصرة حالة كونه ببغداد ، ولكن لا نسلم إمكان تعلقها بالكون فى البصرة حالة كونه ببغداد. وما المانع من أن يكون شرط تعلقها به إمكان الكون فى البصرة؟ والكون فى البصرة حالة الكون ببغداد ، ممتنع بالإجماع.
قولهم : يلزم منه وجود قدرة لا مقدور لها ؛ وهو ممتنع.
لا نسلم بامتناعه : ثم هو على خلاف مذهب الخصم فى اعتقاده : أن الأعراض التى لا بقاء لها على أصله بتخصيص وجودها بأوقات مخصوصة : والقدرة الحادثة لا تتعلق بها قبل تلك الأوقات ؛ بل إنما تتعلق بها فى تلك الأوقات. وإذا انصرمت تلك الأوقات ؛ انقطع تعلق القدرة بها : مع بقاء القدرة فى نفسها ؛ وهو قول بقدرة بلا مقدور.
__________________
(١) فى أ (وبيان).
(٢) انظر ل ١٧٤ / ب وما بعدها.